ليس لأبي صورة أجمل من هذه التي يبتسم فيها ابتسامة عريضة ووجهه مشرق كالقمر، لكن ذكرى تلك الليلة المشؤومة بقيت ردحا تُنكّد عيشي، حتى سمعتُ خبرَ وفاة أم (رضا الدِّيب)، كانت لا تزال تبكيه رغم أنه قد مر على مقتله عشر سنوات بالضبط منذ عُثِرَ عليه مقتولا على أحد أكوام القمامة، انطلقتُ للمنزل وأعَدْتُ صورة والدى لمكانها على الحائط .. في الليلة المشؤومة حاول (رضا) الاعتداء عليَّ، كمَّمني وشد وثاقي، ظهر والدي فجأة، أشاح (رضا ) بسلاحه الأبيض في وجهه، التصق أبي بالحائط وتسمّر في مكانه وطفق يرتعد، هَمّ (رضا ) باستئناف ما بدأه، كاد يهتك عِرضي، وأبي لا يبالي لنظراتي المستغيثة، وجسدي نصفِ العاري، نجدتني بعض الأصوات العالية المقتربة من مدخل العمارة، فقام وذهب عني، بعد تلك الحادثة بيومين قضى أبي في حادث انقلاب قطار أثناء عودته من العمل، عشر سنوات، ولا أبغضَ إلي قلبي من صورة أبي، حتى إنني لم أحاول إلقاء النظرة الأخيرة عليه، خبر وفاة أم (رضا الديب) أعاد لذاكرتي ليلةً عاد فيها أبي ـ على غير عادته ـ في ساعة متأخرة من الليل، فتح باب غرفتي، حسبني نائمة، تحدَّث ـ وأنا أسمع أنفاسه المتقطعة ـ بكلام لا أذكر منه سوى قوله :ـ لا تخافي ـ يا صغيرتي ـ لن تشاهديه مرةً أخرى ...
..............
محمد شعبان