
سنينٌ طوالٌ مضت ،وهو لا يزال مواظباً على الجلوس هناك ، يُلقى
بسنارته فى الأعماق المترامية أسفل منه ، وينتظر ، ويعود خالى
الوفاض . هذه الليلة توجس شراً ، فسماؤها بلا قمرٍ ولا نجوم ، البرق
يشق عبابها ويعقبه رعدٌ يُمزق ستائر الصمت ، الأمواج تتدافع أيهما
يصل إليه أولا ،يغوص بعينيه ولا يدرى ، أهو الغارق فى اللجة
السوداء ، أم أن البحر قد غرق فى حدقتيه ؟ . يتفاجأ ، الخيط يهتز فى
يده ، يجذبه فرحاً إلى أعلى ، تطفو على صفحة الماء ، دموعها
تترقرق فى مقلتيها ، تتوسل إليه -- دعنى مازال غارقاً فى فرحته ،
يجذبها أكثر ، تدنو منه ،دموعها عُقدىَ لؤلؤٍ إنفرطا على وجنتيها --
أسرتنى !...أنا ملكك إذن... يفرك عينيه بيده ، يتحسسها ، ملمسها
يُشيع فيه دفئاً ، يُديب ثلوج سنينه الباردة ، تلتصق به ، تهمس --
جاريتك أنا يبكى - لكنك يا سيدتى من عالم مختلف ٍ عن عالمى -- إذن
تعالى معى - أوليس الماء بقاتلى ؟ -- بلى...ولكنه سيبعث فيك حياةً
تفتقدها . دموعه تنهمر سيولاً على كتفها ....ومضة برقٍ تضئ صفحة
الماء ، يرى خيطه كف عن الإرتعاش ، فيقفز فى الماء باحثاً عن
بدايته.
للقاص / محمد إبراهيم صالح البنا