مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

رواية يوميات نائب فى الأرياف رؤية نقدية بقلم الاديب المستشار / صالح شرف الدين










 


رواية يوميات نائب فى الأرياف
رؤية نقدية
بقلم الأديب المستشار/ صالح شرف الدين
...........................................................
((ألقيت كمحاضرات في التنمية البشرية للمتقدمين للالتحاق بالسلك الدبلوماسي))
.............................................................................................
أولاً: الكاتب: توفيق الحكيم:
1-كاتب وأديب مصري شهير، ولد 1898م – توفى 1987م، واحد من رواد الرواية والمسرح العربي، وواحد من رواد الأدب العربي الحديث، تأثر به الكثيرون ممن عاصروه، وأجيال مازالت تتأثر بطريقته فى الكتابة وتناول الأفكار، والعرض والسرد، وكانت مسرحيته أهل الكهف 1933م بداية للمسرح الذهني الذي ظهر على يديه، ويعد أول من استلهم التراث فى إبداعاته، درس القانون فى فرنسا واطلع على المسرح الغربي الذي قام على أسس المسرح اليوناني، عاد من فرنسا ليعمل وكيلاً للنائب العام، وتدرج فى الوظائف الحكومية وانتخب عضواً بمجمع اللغة العربية، وعُين مديراً لدار الكتب، ومندوباً لمصر باليونسكو ومستشارا بجريدة الأهرام.
2-مزج توفيق الحكيم فى أسلوبه بين الرمزية والواقعية وبين عمق الخيال والوضوح بصورة فريدة، ووبين الدقة والتكثيف وحشد المعاني مع المقدرة الفائقة على التصوير، وكذلك التجسيد والتشخيص بعمق وإيحاء قوي.
3-نال العديد من الجوائز والأوسمة وكانت له علاقة خاصة بثورة 1952م، وزعيمها تلخصه عودة الروح 1933م، وعودة الوعي 1972م.
4-لتوفىق الحكيم مؤلفات كثيرة ترجم الكثير منها لأكثر من لغة، وتبلغ مؤلفاته حوالي 65 كتاباً:مسرحيات، روايات، قصص قصيرة، مقالات، دراسات..
* من روايات الحكيم:
حمار الحكيم، عصفور من الشرق، يوميات نائب فى الأرياف
ثانياً: الرواية:
رواية فى مائة وثمان وأربعين (148) صفحة وصدرت لها عدة طبعات، ويدوّن فيها الكاتب ما حدث خلال المدة من 11 أكتوبر حتى 22 أكتوبرفي الثلاثينيات من القرن العشرين، فى تلك البلدة الريفية التي يعمل فيها وكيلاً للنائب العام، ويجد فى تدوين الأحداث والانطباعات متنفسا له فى ساعات الضيق التي يمر بها، ترجمت الرواية لأكثر من لغة، وتعد وثيقة غاية فى الأهمية تشهد على حال الريف المصري قديماً في تلك الفترة.
ثالثاً: ملخص الرواية:
1) 11 أكتوبر سنة ....
يحكي الكاتب عن أنه شعر بالمرض وأراد أن ينام ونصب مصائد الفئران حول سريره وتمنى ألا تحدث حادثة توقظه لكن أمنيته لم تتحقق - إشارة من العمدة بحادثة ضرب نار والمصاب قمر الدولة علوان حالته سيئة، دوّن ساعة قدوم الإشارة وتوقع ما سيقوله من يحقق معهم، مر به المأمور والجنود وأيقظ نائبه واتجهوا لأخذ الكاتب، وفى الطريق أخذوا الشيخ عصفور، وهو مثار شك النائب، ويعبر بالمعدية ويركب حصاناً يلقيه من على ظهره، ويواصل السير حتى مكان المصاب ويعتني بكتابه المحضر ويسجل فيه ما يجعله قوياً، ويصف المصاب بدقه وجرحه وملابسه والمكان حوله، ثم الذهاب إلي دوار العمدة لاستجواب الشهود القضية معقدة المصاب أمه عجوز كسيحة وزوجته متوفية ولا عداوة بينه وبين أحد وطفله صغير لا يصلح للاستجواب، وتم استجواب العمدة شخصياً، الشيخ عصفور الذي لا يستريح له النائب يغني ويقول: فتش عن النسوان، والقضية ليس بها نسوان، سأل النائب من يربى الطفل قال العمدة: البنت، أخت المرحومة عيلة كبيرة، فطلب استدعاءها وانبهر كل الموجودين بجمالها الطبيعي الخلاب، ريم ابنة السادسة عشرة، وهي لا تعرف شيئاً عن الحادث، وكان زوج أختها المصاب يرفض الخطّاب، ولم يحصل منها على أية إجابة شافية وتم تأجيل التحقيق لليوم التالي وكان طريق العودة وعراً.
2) 12 أكتوبر:
عند العودة كان ميعاد جلسة المحكمة قد حان، والناس يتزاحمون، وعندما دخل إلي غرفة المداولة فوجد القاضي البطيء الموسوس، وحسب ذلك انتقام إلهي منه فقد يكون حبس بريئاً بلا قصد فبعد ليلة طويلة أمامه إلى ما بعد العصر ،وكان قد حسب أنه يوم القاضي السريع فوجده البطيء، ويقارن بين القاضيين وبين أحكامهما فى القضايا نفسها، ويسوق أمثلة لقضايا تافهة تتعسف فيها العدالة: ذبح خارج السلخانة، وغسيل فى الترعة، عدم تسجيل كلب، أو امرأة عضت أصبح شيخ، سرقة وابور جاز،وبين سوء دفاع المحامين عن المتهمين، وأخيرا نام النائب بين الملفات.
3) 13 أكتوبر:
انتهت جلسة المحكمة عند العصر، وقام بتوقيع بعض الأوراق، وفوجئ بالاستعداد لاستكمال التحقيق فى قضية ضرب النار، حاول التبرم لكنه عمله، وجد ريم والشيخ عصفور والعمدة والمأمور ويبدو أنهم يريدون قتل الوقت بهذه القضية لم يستطع مواصلة العمل ، ورأي تأجيل التحقيق فوافق الجميع، وحلت مشكلة المكان الذب تبيت فيه ريم بأن تبيت فى بيت المأمور بين زوجته وأولاده فهو أأمن مكان.
النائب غير مطمئن لمبيت ريم فى بيت المأمور ويتمني أن تحدث حادثة يستدعي من أجلها المأمور، فكر أن يدوّن يومياته فلم يستطع، فكر أن يذهب ليدور حول بيت المأمور فخاف الفضيحة، وجاء الفرج فى حادثه تافهة، وأراد أن يقلق راحة المأمور، وفعلاً أصر على أن يحضر المأمور التحقيق، وحضره متبرماً، وواصل التحقيق فى المسمار الذي وضع على سكة القطار، وتم تحريز المسمار، وأكمل المحضر فى بيت العمدة، وأصر المأمور على أن يصنع لهم العمدة إفطارا وذكر قائمة كبيرة للمأكولات، ورفض الإسراع فى إنهاء التحقيق، ويصف شراهتهم فى الأكل، وأسرع للمستشفى لأن المصاب قمر الدولة علوان أفاق، ويصف المستشفي والأطباء والممرضات وصفاً ساخراً، وذهب ليسأل قمر الدولة فلم ينطق إلا بكلمة واحدة: ريم.
4) 14 أكتوبر:
بعد العودة إلى المكتب قدم عليه فراش المحكمة خميس، وكان مساعده غاضباً لأنه لم يأخذه فى حادثة الأمس، وقد أصيب بالملل من الريف، ويصف حالة الريف السيئة وعدم وجود ما يسلى به، ولا يوجد لديه دواء لضيق مساعده، فلا يوجد دواء للريف غير الزواج أو السير المعوج أو المطالعة أو تحرير المذكرات، فلا يليق بممثل النائب العام إلا أن يحافظ على وقاره ويجب ألا يفعل أي شيء يؤثر على هذا الوقار، ويحكي كيف أقلع حتى عن الذهاب للنادي ، أخذ الشاي من فراش المحكمة، جاءه عبد المقصود أفندي رئيس القلم الجنائي ومعه أربع قضايا تلبس بدأ التحقيق فى قضية سارق كوز الذرة الذي سرقه من جوعه، والذي رأي فى الحبس شيئاً جميلاً، ففيه ضمان للأكل، ثم قضية سرقة الملبوسات التي سرقها أهل القرية، يأمر بحبسهم جميعاً، لعدم وجود كفالة معهم، ويأتي المأمور ليخبره أن ريم هربت مع الشيخ عصفور، وأنه أمر الهجانة بتتبعهما.
5) 15 أكتوبر:
يتحدث عن اختفاء المأمور ومعاونه، وشك يرواد البعض أنه ذهب ليقامر فى بلدة مجاورة، ويتحدثون عن خلاف بين زوجة القاضي وزوجة المأمور ويري وهو يمر بجانب المستشفي الشيخ عصفور والفتاة، ولعدم وجود قوة يعود للمركز وهو يفكر فى سر الفتاة والشيخ عصفور ويجد المأمور فيحكي المأمور: إنهم فتشوا كل مكان، فيقول له ساخراً:الشيخ والفتاة عند المستشفي، المأمور يكلف الشاويش عبد النبي أن يذهب ويحضرهما، ويتجه النائب إلي مكتبه، أحضروا الشيخ عصفور فقط ولم يجدوا الفتاة، وأخذ عصفور يراوغ النائب وهو يستجوبه ويهرب للشعر، ويذكره المأمور أن هناك واحدة غرقت من سنتين.
6) 16 من أكتوبر:
لم يستطع النائب أو المأمور استخراج أي شيء من الشيخ عصفور ولم يتم القبض عليه وودعه المأمور عند الباب بصفعه على قفاه، ويخلو النائب لنفسه ويقول: إن القلم نعمه لمن كتبت عليهم الوحدة، ويصور لنا فأر يقرض الخشب ويتركه دون أي مطاردة، ويتحدث عن جلسة محاكمة مع القاضي السريع الذي أنهي بسرعة المخالفات بغرامة خمسين غيابي أو حضوري، وشعبان الحاجب الذي ذهب يشتري لوازم القاضي، وشهر حبس لمن ضرب زوجته وكذلك لمن أكل القمح الذي يوردّه، وهنا تبرز النظرة للقانون من جانب الحكومة، ومن جانب الفلاحين فكل ما تحبسهم الحكومة لأجله لا يعتبرونه خطأ ، ويثبت حكماً على ثالث لأنه عارض بعد مرور ثلاثة أيام، وأسرع القاضي للمحطة، ويحضر كاتب النيابة ومعه معارضة فى حبس، فيجعله النائب يسرع ليلحق القاضي على المحطة، حيث يستكمل القاضي بعض القضايا فى بوفية المحطة، ومع صعود النائب لمكتبه كان مساعده متضجرا من العمل الشكلى للنيابة، فلا مرافعات ولا مذكرات ولا شرح ولا تحليل ولا استدلال، وأخذ يطالع بريد النيابة مع رئيس القلم الجنائي، وفوجئ بالشيخ عصفور مقبوضاً عليه وبتهمة التشرد. إن اتهام الشيخ عصفور بالتشرد هي وسيلة انتقام من المأمور بعد أن رآه يفلت من تهمة اختطاف الفتاة، وهو متشرد من أعوام فلماذا يتهم اليوم بالتشرد؟ يترك ذلك الأمر ويكمل الإطلاع على البريد مع عبد المقصود رئيس القلم الجنائي، وأحال قضايا الجنايات المرهقة لمساعدة، ووجد بلاغاً من مجهول أرسله إلي النائب العام يبلغ أن زوجة قمر الدولة علوان ماتت مخنوقة من سنتين وتسترعلى ذلك حلاق الصحة ويطلب إعادة التحقيق.
7) 17 أكتوبر:
فكر النائب فى الخطاب، ووجد فيه وقائع تستدعى التحقيق فقرر استخراج جثة زوجة المضروب وتشريحها لمعرفة حقيقة موتها، ويحكي كيف تم استخراج الجثة والتعرف عليها وكيف عرف الطبيب أنها ماتت مخنوقة كما أشار المبلغ فى الخطاب، ويحكى عن تغيير الوزارة وتغيير العمدة تبعاً لذلك ، وكيف يستقبل أهل الريف ذلك، وانشغال البوليس بالانتخابات، والتفتيش الشكلي على السجون، ويفكر فى إقناع الشيخ عصفور أنه إذا تعاون معه وأحضر ريم، فإنه سيزوجها له حتى يغريه بالتعاون معه.
8) 18 أكتوبر:
الشيخ عصفور يرد بقسوة على النائب ويقفل باب التعاون معه، وحلاق الصحة أنكر معرفته بواقعة الخنق، وقال :إنهم لا يدققون كثيراً فى تصاريح الدفن وإن حكيم الصحة هو المسئول عن تصاريح الدفن.
وحلاق الصحة في الريف مثل الداية ، ويحكى قصة ولادة متعسرة مات فيها الطفل وتبرز مدي التخلف فى القرى، وبدأ البحث عن مرسل الخطاب، وذهب للقاضي الشرعي واستكتب من عنده قلم يجدوا خطاً مشابهاً للبلاغ، وذهب مع رئيس القلم الجنائي للتفتيش على السجن، وجد المأمور يجتمع بالعمد ويأمرهم بمساندة مرشح الحكومة فى الانتخابات وأنه يجب أن ينجح، وتهرب المأمور من بحث أي شيء سوي الانتخابات، ومع إصرار النائب على تفتيش السجن بنفسه، تركه المأمور وذهب ليرتب أمور السجن فقد كان يحتجز أناسا دون إذن هربهم إلي غرفة جانبه، ورغم رؤية النائب ذلك لم يفعل شيئا ، فقد طلب منه رئيس القلم الجنائي إلا يدقق فى ذلك حيث الأوضاع تستدعى القبض على البعض خارج القانون، ويجب عدم عمل مشاكل مع المأمور.
9) 19 أكتوبر:
بدأ النائب يبحث عن خاطب البنت ريم ربما يكون الخيط الذي يوصل لحل اللغز، وطلب إحضار امرأة من الجيران فهن أكثر ثرثرة، وبعد عدة اتصالات تم المطلوب، ويشير إلي محاضر التشرد التي تصنعها الإدارة للمعارضين أيام الانتخابات، ولم يعرف من المرأة أية معلومات سوي أن الخاطب اسمه حسين، فاحضر كل من اسمهم حسين من أبناء البلدة المجاورة لكي تتعرف المرأة على الخاطب، وحكي عن مآسي عمليات عرض المتهمين وكيف تأتي بنتائج عكسية، حتى إن واحداً من هؤلاء كان يشك فيه هو أثناء إحدى عمليات العرض، ولم تتعرف المرأة على الخاطب وأنهى عملية العرض، وعاد مساعده يحكي :إن البنادر هي النعيم والريف الجحيم، وحكي عن القضية التي ترافع فيها وهي لقاتل بالأجرة اختلف مع مستأجره فانكشفت القضية، ويعمق الكاتب المسألة فيتحدث عن أخلاق الفلاح وأنه لا يقتل بنفسه وأن القتلة من دم أجنبي، وهنا يتحدث عن وجوب أن تكون هناك دقة ملاحظة لهذه الأمور، ولو استطاع النائب أن يلحظ هذه الأمور سيتعرف على خصائص المملكة الكبيرة والإنسانية، فمملكته الصغيرة التي يحكمها أنموذج مصغر، ويخلص إلي أن قوة الملاحظة هبه لا يملكها كل الناس، وهنا أثار موضوعا هاما هو: إن القاضي ينطق بالحكم ثم يكتب مذكرة بالأسباب وليس العكس فالمنطقي أن يحدد الأسباب والقرائن ثم يرتب عليها الحكم وينتقد ذلك بشدة.
10) 20 أكتوبر:
قام بجرد خزينة المحكمة، وهو واجب النيابة، ويكون مفاجئاً لكن الواقع إن الصراف هو من يعد كل شيء للجرد المفاجئ، وهو يذهب بنفسه للخزينة. يقوم النائب بالتفتيش على مخزن النيابة بكل ما فيه من عجائب، ويجد القاضي المقيم ثائراً فقد أصدر حكماً على واحد من العمد، فقام العمدة وأتباعه بضرب المحضر، وحبسوه ثم جعلوا المحضر يسحب شكواه ضد العمدة، وحذر القاضي من عداء البوليس فقد ينقل القاضي للصعيد عقوبة له، وطلب من القاضي أن يترك له الموضوع، ويتعجب القاضي قائلاً: لهذا الحد تعبث السياسة عندنا بالعدالة والنظام والأخلاق، ويتعجب من صداقة القاضي الشرعي والمأمور.يتحدث النائب مع المأمور عن قصة القاضي فادعي إنها إشاعة ، وأن الانتخابات تتم بالأصول التي يريدها هو، ورأي الشيخ عصفور يسعي فى الدعاية للحكومة مع المأمور فتعجب ،وسأله عن ريم فقال شعرا يدين من كانت فى يده وفرط فيها، فينظر للمأمور فهو المقصود بهذا الكلام.
11) 21 من أكتوبر:
يتحدث عن التحقيق فى حادثة تسمم وعن تعليمات النائب العام بخصوصها ونشر التعليمات، ويأتي خبر موت قمر الدولة علوان فأرسل مساعدة ليحضر التشريح، وذهب هو ليحقق فى حادثة التسمم ويبين كيف تم التحقيق المتعب، وما كاد التحقيق ينتهي حتى جاءت إشارة بالعثور على ريم جثة فى الرياح قبلى البلد وأن الوفاة كانت بسبب الغرق، تأثر لوفاة ريم ؛ لضياع هذا الشيء الجميل ولأن ريم مفتاح من مفاتيح قضية قمر الدولة علوان، وتردد في التصريح بالدفن برغم كون الطبيب صرح :إنه غرق ولاشبهة فى جريمة، ويجد الشيخ عصفور يصيح كالمجنون:" والثالثة من بدعها غرقها فى الميه"..
وتساءل النائب من الذي غرقها؟ فقال له مساعدة: أنفتح تحقيقا بسبب كلام مخبول؟ وأقنعه بقفل القضية بالتصريح بالدفن.
12) 22 من أكتوبر:
يطيل النائب الحديث عن أمر قضائي خاص بالسنة القضائية ، ووجوب التصرف فى القضايا والشكاوي، وكيف سينجز هذا الكم الضخم من القضايا، ويفاجأ بزميله وكيل نيابة طنطا يأتي له بحقيبتين من الشكاوي طالباً منه المساعدة والتصرف فيها ويتحدثا عن الصعيد والخدمة فيها وعن وكلاء النيابة المحظوظين أصحاب الواسطة الذين يبقون فى العاصمة لسنوات طويلة ويتنقلون داخل العاصمة، ويتحدث عن العدالة الغائبة نتيجة الظلم الواقع على رجال العدالة أنفسهم، ويختم بتأشيرته على قضية قمر الدولة علوان "تحفظ لعدم معرفة الفاعل".
13) قالوا عن يوميات نائب فى الأرياف:
عندما ترجمت الرواية قال عنها النقاد الأوروبيون:
1- جان لان كونور الصحفى الفرنسى الموند 1975م
"الكتاب تحفه، يغلب على الحكيم الكاتب القصصي والشاهد قوى الملاحظة خفيف الظل، الكتاب وثيقة "أنثربولوجية" عظيمة وصورة من أكثر الصور أمانة، وأبلغها تصويراً لمجتمع القرية فى مصر بسياسته ومباهجه ، وروح التكافل التي تثير الإعجاب.. خلافاته.. تماسكه..
ولأن توفيق الحكيم متفائل فى سخريته، ولأن مصريته من العمق بحيث يمكنه أن يجد فى أقصي صور الشقاء أسباباً للضحك، فيومياته هذه تعتبر من الأدب الفكاهي الممتاز تذكر بأعمال: "تشيكوف" و"جوجول... فإذا ضحكنا مع المؤلف وطوينا الكتاب نستشعر شحنة الغضب والرفض التي ضمنها الحكيم فى وثيقته...
الكتاب مؤلم بما يذكره وما يتركنا نفهمه من الكتاب ومن مقدمة الكاتب التي كتبها عام 1940م فلا شيء تغير...
الكتاب هام جداً لأنه يبرز الكثير فى مصر أكثر بكثير من كتب السياسة يبرز الكثير عن الشعب المصري الذي يبدأ عادة بالضحك من مصائبه لكنه فى النهاية يجد الوسيلة التي يسترد بها الحياة"
2- ومن النقد الإنجليزي: "الحكيم من أكبر الروائيين المصريين الأحياء.. وقتها.. وما أعجب وأصدق الكتاب، وإنها المهزلة الخالدة التي تصور فساد الإدارة الحكومية وعجز النظم الإدارية عن تحقيق العدالة بين جموع الفلاحين، إن تصوير توفيق الحكيم لرجال الإدارة وانشغالهم بالحملة الانتخابية عن واجبهم ينطوي على أكثر من مجرد استنكار، وتصويره للعبث بالجثث أكثر من مجرد احتجاج، ويشبهه بالكتّاب الروس، والكاتب الإنجليزي "ديكنز" حيث إحساس الأديب مرهف الحس وسط الاضطراب وفى أجواء الظلم :بأن الشفقة على المظلومين لا تكفي، وأن الغضب على الظالمين لا يجدي، فيتخذ من السخرية اللاذعة سلاحاً لتحقيق ما يهدف إليه من التنبيه والتحذير والإصلاح"
3- ومن النقد الفرنسي:"الحكيم هو ديكنز وادي النيل.. بل هو "كور تليف" لأن روح الفكاهة فى تصوير مجالس القضاء تجدها عنده كثيرة...
والكتاب ملئ بالصور المرسومة بريشة السخرية، إنها صورة حية ساخرة قاسية أحياناً لدنيا الريف المصري... إن الحكيم إنما يكتب ليحتج وينقد ويتهم"
رابعاً: عناصر الرواية:
1-الزمان: اثنا عشر يوما من شهر أكتوبر فى أثناء عمل الحكيم في وكيلا للنيابة فى ريف الوجه البحري في الثلاثينيات ن القرن العشرين ،والزمان هنا ممتد ومناسب للرواية فهي يوميات ،انتقى الحكيم منها هذه الأيام لكثرة الأحداث التي وقعت فيها..
2-المكان: البلدة الريفية فى الوجه البحري التي لم يصرح باسمها، قاعة المحكمة، غرفة نوم النائب، قسم الشرطة، مكان إطلاق النار على قمر الدولة، مكتب النائب، السجن، النادي، المستشفي، طرق البلدة، بيت العمدة، ولم يهتم الحكيم برسم تلك الأماكن بدقة، واكتفي برسم سريع لها،وتعدد الأماكن مناسب للرواية .
3-الأشخاص: الكاتب نفسه هو الراوي وهو الشخصية الرئيسة، ومساعده، والمأمور، والقاضيان، المضروب بالرصاص، وريم والشيخ عصفور، ومجموعة من الشخصيات الثانوية العمدة، والطبيب، والعاملون فى المحكمة والنيابة، والمتهمون، ورئيس القلم الجنائي، والقاضي الشرعي، وجارة زوجه قمر الدولة علوان، وجارة ريم...
وشخصيات الحكم لم يحرص على رسمها من الناحية الشكلية غالبا لكن حرض على رسمهم نفسياً وداخلياً ومن خلال سلوكياتهم نستطيع تخيلهم ، وهم أشخاص واقعيون لا يوجد بينهم من هو دقيق الملاحظة سوي الكاتب الذي يري ما لا يرون لكنه يتصرف مثلهم ولا يريد أن يصطدم بأحد والشخصية المحيرة هي شخصية الشيخ عصفور، وشخصية ريم الغامضة فى حياتها وموتها، وقد عمد الكاتب أن يغلفهما بالرمزية، ويترك الجريمة بل جرائم الفتيات الغرقي وجريمة مقتل قمر الدولة وزوجته ، يتركها دون إيجاد القاتل لتكون مجالاً واسعاً للتفكير ومحاولة فك الألغاز،ومن خلال الشخصيات وسلوكياتها بدت سمات الريف المصري وسمات الفلاح المصري ،وإلى جانب الرمز تبدو واقعية
الشخصيات واضحة ..
4-العقدة: عقدة الرواية مركبة تتجاوز العقدة السطحية التي تطالعنا فى جريمة القتل الغامضة التي لا يوجد خيط نمسكه لنصل إلي القاتل ، فكل الخيوط تتمزق واحداً بعدا الآخر حتى تموت ريم غرقا فى الرياح ، العقدة الحقيقة فى الفساد والتخلف والجهل والمرض الذي لا حدود لها ، الفساد الذي ضرب صرح العدالة، ومحاكمة الناس بقوانين يجهلونها، والانتخابات التي تزور بفعل الإدارة، وأحكام القضاء الذي لا تنفذ على إتباع الحكومة، والأرواح الرخيصة التي صارت أرخص من الأحبار التي تكتب بها أوراق التحقيق، والبون الشاسع بين الأقوال والأفعال، وتصل ذروة العقدة فى قول الشيخ عصفور "والثالثة غرقها"،وفي التقفيل الشكلي للقضايا والشكاوى ..
5-الحل: جاء الحل على مستويين الحل المفتوح الذي يترك لنا التفكير فيما سيحدث بعد ذلك فالقضية رغم الحفظ فالتحريات مازالت مستمرة، والحل التقليدي فى تقفيل السنة القضائية بحفظ القضايا والشكاوي.
...وبعد فيوميات نائب فى الأرياف عمل أدبي متميز ووثيقة تؤرخ لفترة مرت بريف مصر وفى الثلاثينيات من القرن العشرين، وهي كأدب يتكئ على الواقعية تبرز أحوال بلدة صغيرة تظهر مميزات وعيوب مصر كلها لمن يدقق فى ذلك وتشير إلى خصائص من يقيمون حول أودية الأنهار فلهم خصوصيات وسلوكيات لا تتغير بسهولة، فأغلب المشاكل التي تطرحها الرواية مازالت مصر تعاني منها بشكل أو بآخر ، وهذا ما يعطي لواقعية الرواية زخماً، فمازالت الشكاوى من بطء العدالة قائمة، ومازالت الأمية متفشية، ومازالت الشكاوي مستمرة من تعسف السلطات، ومازال الفساد يزكم الأنوف فى أجهزة الدولة العتيقة. إن رواية يوميات نائب فى الأرياف مازالت صرخة احتجاج فى وجه الظلم والقبح بمختلف صوره ونأخذ على الرواية ما يأتي:
1-التركيز على الجانب الإداري فى الريف: القضاء والبوليس والعمد مع إمكانية عرض جوانب أخري كشاهد عيان مثل التعليم، والثقافة، والعادات الاجتماعية والعلاقات الأسرية، ومواسم الحصاد، وأوقات اللهو، وعلاقة الريف بالمركز والمدينة والعاصمة،الوصف الدقيق لمساحات الخضرة الواسعة مثلا ..
2-حكاية بعض الحوادث بواقعية تدين الكاتب: عندما فتش السجن ووجد المأمور يهرب من حبسهم دون أذن نيابة فلم يفعل شيئاً، وعندما جرد الخزنة جرداً شكلياً، وعندما حقق مع عصفور تحقيقاً غير رسمي، وعندما سمع المأمور يتحدث عن غريقة فلم يلتفت، وعندما قال عصفور والثالثة غرقها، ولم يلق بالاً ،تصريحه بالدفن رغم أن ريم شاهد على جريمة وشبهة الموت الجنائي أقرب..
3-نقد الكاتب لإصدار الحكم ثم كتابة الحيثيات يدل على عدم إلمام النائب بدقائق مهنة القاضي- فهذه المسألة مستمرة حتى الآن - إن القاضي يقرأ القضية بعيداً عن كل المؤثرات حتى القانونية منها يقرأ ليتبين: مع من الحق، وبعد أن يتأكد من ذلك ينطق بالحكم ثم يبحث عن الأسانيد القانونية التي تدعم حكمه ، فلم يوفق الكاتب فى انتقاد النطق بالحكم أولاً ثم الحيثيات.
4-كنت أتمني أن تنتهي الرواية عند صياح الشيخ عصفور بحروف غنائيته التي تكررت فى الرواية والتي ختمت بـ
"والثالثة غرقها"لجعل مساحة الخيال أكبر بالنسبة للمتلقي ،والحث على التخيل أقوى .
5-من واقعية اليوميات أن تكون هناك مواقف أحقّ الحكيم فيها الحق وصاح من أنصفته العدالة "يحيا العدل" لقد خلت الرواية تماما من موقف مثير أحق فيه الحق، فجميع النماذج سلبية لا يوجد شيء إيجابي إلا جمال ريم، والتي تعد مع الشيخ عصفور من رموز الرواية التي تفسر ولا تحل.
..وأخيرا :الرواية من التراث الإنسان المحتفي به منذ صدورها وحتى الأن، وسيظل كذلك ؛لأنها تحمل عناصر الخلود : عمق الفكرة وإنسانيتها، وصدق الانفعال، وجودة الصياغة.
بقلم
الأديب المستشار
صالح شرف الدين
يوليو 2014م

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016