مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الشياطين ترقص فرحا ..الحلقة الأولى بقلم الأديب / محمد البنا




 للشياطين

مقـــــــــــــــــدمـــــــة
أحــداث هذه الرواية مُستقاة من حدثٍ حقيقى جرت أحداثه فى إحدى مدن القناة ونُشرت بصفحة الحوادث فى الجرائد القومية وكانت إرهاصاً من عدة إرهاصات إنحلال خلقى تفشى فى المجتمع...........

الفصـــــــل الأول
نفير سفينةٍ عملاقة يعلو مُتصلا ، ومودعاً مياه القناة إعلاناً ببدء رحلتها عبر مياه الخليج ، لتعانق المياه الدافئة للبحر الأحمر فى طريقها إلى باب المندب.
رويداً رويداً أخذ صداه فى الإنحسار , وما لبث أن تلاشى تماماً.
عادت المدينة إلى هدوئها المخيف ، والليل يبسط أذرعه ليلف المدينة وشوارعها بعباءةٍ سوداء ، بل حالكة السواد ،اللهم إلا من بضع نقاطٍ بيضاء باهتة تنتثر على صفحة السماء.
أدار مفتاحه ودفع الباب الخشبى بيده اليسرى، ودلف يجر قدميه ن بالكاد بلغ الأريكة الرابضة فى الصالة مستندةً على الحائط خشية تفكك مفاصلها.
ألقى بجسده عليها فأحدثت أزيزاً متقطعاً ...تلاشى عندما إستقر جالسا.
كانت عينى سهيرتتابعانه بإهتمام بالغ منذ لحظة دخوله إلى أن إستقر ساكناً .
بادرته متسائلة
  -- كفى الله الشر..خير يا خويا….مالك؟؟؟
طأطأ رأسه لثوانٍ ، ثم ما لبث أن إسترخى مُلاصقاً ظهره لخلفية الأريكة ، ، تنهد…تمتم دون أن يلتفت إليها
-- مفيش
إعتدلت فى جلستها وقالت له معاتبة
-- ياما قلت لك دوّر على عقد عمل فى الخليج
رفع عينيه مُعانقاً سقف الصالة، راعه تداعى طلاؤها كأنما ملّ تلازمه الذى طال للطبقة الأسمنتية ، فنشد الهروب وتاق إليه.
تمتم كمن يُسلم قياده إليها ، مُقراً بهزيمته وإنتصارها
--الظاهر إن إنتى صح!
تهلل وجهها فرحا،دنت منه حتى كادت أن تلتصق به ، ربتت بكفها فى حنانٍ ورقة على فخذه الأيمن ،  وهمست فى حنوٍ شديد
--قوم غيًّر هدومك على ما أنا أجهز لك العشا
صمتت برهة ثم أردفت
-- شوربة عدس إنما أيه!!!...هتاكل صوابعك وراها
وضحكت ضحكةً فهم مغزاها…نهضت منتصبة وسارت فى طريقها للمطبخ بخطواتٍ فيها من الأنوثة ما يسلب لب أى رجل.
تابعها بعينيه إلى أن توارت، أشعل سيجارة ..أطلق دخانها حلقاتٍ تتسابق إلى أعلى وهو يتابعها …شعر أن الحياة قد دبت فى أوصاله وكل أوجاع يومه المرهق قد زالت
أطلّت برأسها وعلى وجهها إبتسامةٌ خبيثة ، وقالت له فى دلالٍ يتدفق منه رغباتٌ إمتزجت مع نبرة صوتها
-- قوم يا راجل غيّر هدومك….العدس بيغلى
أطفأ سيجارته ونهض واقفاً ، وتوجه إلى غرفة ولديه وأصابعه مُنشغلة بفك أزرار قميصه.
تأملها..!..وجهٌ ملائكى..خصلات شعرها الطويل نائمةٌ فى سكينة على جانب وجهها وكتفها , لفت نظره كتاباً تضمه إلى صدرها ، إنتزعه برفق ووضعه فوق الكومودينو الفاصل بين سريرها ، وسريرأخيها تامر.
إبتسم…تمتم
-- البنت كبرت يا حسن
إنحنى عليها وقبّلها فى خدها الدافئ ، ثم إستدار وقبًل جبين تامر ثم أطفأ المصباح  ، وأغلق الباب خلفه بهدوء خشية أن يقلقهما.
إستلقى على سريره ، أشعل سيجارة أخرى، ثوانٍ مضت ..دخلت سهير الغرفة يسبقها نغمات طربٍ دندندت بها شفتيها ، وبين يديها صينيةٍ عليها طبق عدسٍ ، يتصاعد دخانه الساخن ، ورغيف خبزٍٍ مقدد…وضعت الصينية برفق فوق الكومودينو الوحيد فى غرفتهما ، وهمست فى غٌنجٍ ظاهر، بينما أصابعها تلتقط السيجارة المشتعلة
_ كل..بالهنا والشفا…على أنا ما أجهز لك
سحبت نفساً عميقاً ثم أعادتها إلى مكانها فى المطفأة ، ثم ما لبثت أن أطلقته ليعُبق الغرفة ممزوجاً بإرهاصات رغبةٍ جنسية تفشت فى حناياها..فتحت خزانة ملابسها ، أنتقت قميصاً أزرق اللون وآخر وردى اللون…قارنت بينهما ثم إلتفتت إليه ملوّحة ً بهما..أشار لها بعينيه إلى الأزرق…إبتسمت فقد كانت تعلم أنه اللون المفضل لديه ، أعادت الآخر إلى مكانه بالخزانة.
كان حسن قد أتى على مافى الطبق تماماً…سبقته سهير وألتقطت السيجارة ، وسحبت نفساً طويلاً ثم ناولته السيجارة ، واضعةً إياها بين شفتيه ، وضعت القميص الأزرق على كتفها وألتقطت الصينية بكلتا يديها ومضت فى طريقها لخارج الغرفة
دقائق وعادت مرتدية القميص الأزرق ، وقد أرخت شعرها الكستنائى الطويل على ظهرها ، تكاد أطرافه تلامس الطرف السفلى لقميصها القصير.
توقفت أمام المرآة تتأمل جسدها البض المتناسق فى روعةٍ مذهلة..
تناولت عطراً رخيص الثمن ، تعطرت وأدارت الكاسيت ، فتصاعدت
نغماتٌ تعشقها…..موسيقى " التت "
أحكمت ربط الشال حول ردفيها ، وشرعت تتمايل راقصةً على الأنغام
المتصاعدة ، وحسن يتابع إهتزازات جسدها المثير ، بلغت  منه الرغبة مبلغها ، فنهض واقفاً وأغلق باب الغرفة ، وعاد راكعاً قبالة ساقيها.
دقائق معدودة مضت…جسدان ممددان بطول السرير…أولهما يلهث كأنما يلفظ آخر أنفاسه…باحثاً عن نسمة هواء يتنفسها…والآخر نافراً متقداً …فى داخله غضبٌ مكتوم ، فهو لم ينل كفايته بعد…دقائق أخرى ..هدأت أنفاسه وأنتظمت ، بينما كظمت سهير غيظها وخيبة رجائها
إنحنت عليه فى حنوٍ بالغ وهمست فى تودد
-- بكره تاخد بعضك وتروح لعم دياب
صممت للحظة ثم أردفت وكأنما تحدث نفسها
-- الراجل ده معارفه كتير!!.
تسللت أشعة الشمس رويداً رويداً حتى غمرإشعاعها عينيه المغمضتين..تنبه على وقع أقدام زوجته المتراقصة كعادتها وهى تدلف إلى داخل الغرفة ...بادرته قائلة وهى فى طريقها لفتح نافذة الغرفة .
-- قوم يا راجل...الساعة داخلة على عشرة....
ألقت نظرة متفحصة الشارع الطويل، ثم إلتفتت إليه قائلة
-- عم دياب قاعد قدام المحل...لسّه بيشرب فى شيشته
نهض حسن واقفاً فى تثاقل ، واضعاً يده على فمه متثائباً ، ومضى خارجاً من الغرفة، بينما ظلت سهير تتطلّع من نافذتها ، وتتجول بعينيها فى أرجاء الشارع الطويل الذى يربط شمال المدينة بجنوبها..حيث إستقرت عيناها جنوباً...أشباح جبالٍ تتراءى فى الأفق البعيد...همهمت
"  هناك سيذهب حسن ويأتى لنا بالمال والسعادة ".
عادت عيناها مرة أخرى إلى حيث يجلس عم دياب، تفاجأت..هاهو زوجها حسن يدنو مقترباً من عم دياب...تملّكتها الدهشة ...هممت لنفسها
كيف لم تشعر به وهو يرتدى ملابسه؟؟...كيف لم تشعر بإنصرافه؟؟؟
صافحه حسن وأنحنى على رأسه يقبّلها..نادى الرجل بصوتٍ عال
-- يا على....هات كرسى لعمك حسن
كان حسن أسبق منه، سحب كرسياً من مدخل المحل وأدناه من مجلس العجوز.
سهير مازالت تتابع بشغفٍ وقلق باديان فى قسمات وجهها...تحاول جاهدة أن تقرأ ما تفصح عنه ملامح وجهيهما وهما يتبادلان حديثاً لا تسمعه
-- تشرب أيه يا حسن يا أبنى؟؟
-- ربنا يبارك فيك يا عم دياب
صمت لثوانٍ ثم أردف
-- والله لسّه شارب قبل ما أنزل من البيت
قاطعه عم دياب مصراً
-- والله لازم تشرب حاجة...يا راجل ده أنت بقالك سنين ما قعدتش القعدة دى.
وألتفت ناحية مدخل المحل منادياً على صبيه ، الذى ما لبث أن إندفع خارجاً من مدخل المحل ملبيا
-- بسرعة أجرى هات حاجة باردة لعمك حسن
إنصرف على مسرعاً صوب المقهى ، بينما إلتفت عم دياب مخاطباً حسن
-- خير يا أبنى...مالك؟؟؟
تمهل حسن قليلاً قبل أن يجيب ، ضم كفيه..خرجت الكلمات من بين شفتيه ممزوجةً بنبرةٍ حزينة
-- والله يا عم دياب ما أنا عارف أقول لك أيه
صمت قليلاً وأطرق رأسه ناظراً إلى الأرض...ثم تمتم بصوتٍ متهدج
-- الدنيا إسودت فى عينى ، والأبواب كلها إتقفلت فى وشى
سارع عم دياب مربتاً على كتفه بحنان قائلا
-- ما تقولشى كده يا حسن...وأنا رحت فين...ده أنت زى أبنى
وسارع بإخراج حافظة نقوده ، ألتقط منها ورقة مالية من فئة المائة جنيه ودسّها فى الجيب العلوى لقميص حسن ، الذى سارع بالقبض على يده قبل أن تغادر جيبه ، وعيناه قد إغرورقتا بالدموع...
همس راجياً
-- ربنا يزيدك من نعيمه ياحاج...المشكلة مش فلوس..أنا عايز أسافر بره وما ليش بركة إلا أنت.
 حاول إعادة المائة جنيه إلى عم دياب الذى رفض بإصرار قائلاً
-- خلّيها معاك...دبّر أمورك اليومين دول على ربك ما يفرجها
صمت قليلا وأمسك بلّى الشيشة ثم أردف قائلا
-- إشرب البارد على ماأنا أخلّص الحجر ده ، وبعدين نتوكل على الكريم
كان على قد أتى لتوه بزجاجة كوكاكولا...تناولها حسن فى عجالة
نهض عم دياب وتبعه حسن ، وسارع على بإدخال الكرسيين والشيشة إلى داخل المحل ، بينما تأبط العجوز ذراع حسن ، وأنطلقا مبتعدين عن المحل ، وعن عيون سهير اللتان كانتا تتابعهما حتى غابا فى زحام الشارع الطويل ، ودقات قلبها تتسارع خفقاً بين ضلوعها.
عادت عيونها للجهة المقابلة جنوباً ، ترنو بشوقٍ إلى الأفق البعيد وخلايا لسانها تلهج بحروف كلمة واحدة....." يارب "
خرجت من أعماقها بتمنى وصدق ونقاء ...تذكرت إنها لم تركع مرةً واحدة فى حياتها...طأطأت رأسها خجلاً ، ومضت بخطوات راقصة فى طريقها إلى المطبخ.
......................
محمد البنا



التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016