مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

(رواية رن ) للأديب جمال الغيطاني جـ 4 رؤية نقدية للأستاذ / صالح شرف الدين






16- بونت
تحدث البطل عن الملكة حتشبسوت ابنة آمون وتدبرها رحلات إلى بلاد بونت بلاد البحور واللبان والأشجار التي يسيل منها الدم ، وأن تلك الرحلات توقفت مع احتلال الهكسوس مصر، وأن أحمس طردهم منها، وهي لم تنظم هذه الرحلات إلى بلاد بونت إلا تنفيذاً لمشيئة والدها، واستأنفت هذه الرحلات التي توقفت، أوصى الكاهن الأعظم ((حبوسنب)) المجتمعين التسعة:
الأول: كبير رجال البحر الخبير بالمواقع وطرق الملاحة والطقس، ويتلقى من كاهن المعبد الأويزي موقع البلاد المقدسة ((بون)) وله دور عظيم فهذا الكاهن يؤدي الصلوات ويتلو التراتيل ولا يعرفه أحد.
الثاني: العارف بالأشجار الملم بالأجناس متقن التمييز، يتعرف على الأشجار وكأنها أجناس مختلفة من البشر، ويحتاج شجر الدم إلى ترتيل وتحوط.
الثالث: مدير المراسي منشئ السفن، ملم بالدسر والأوزان وقماش القلوع يلم بكل ما يتصل بالسفن، يعطي خبرته للبحارة، ويجهز المركب لتحمل الثمار وتحتفظ بها طوال الرحلة دون فساد.
الرابع: مدبر التكاليف وما ينبغي أن ينفق خلال الرحلة من أدوات وملابس ولوازم.
الخامس: متقن لسان أهالي البلاد المقدسة الملم بالإشارات والمعاني.
السادس: القائم على إعداد طعام البحارة وشرابهم.
السابع: الطبيب المعالج حافظ العقاقير خاصة دوار البحر ولسعة البعوض والأفاعي.
الثامن: موفد ابنة الإله الخفي، وناقل رسالتها متقن اللسانين.
التاسع: لا يمكن الإفصاح عنه.
يتحدث البطل عن بعض ما أفضى به الكاهن الأعظم إلى مدبر الرحلة سنحي المبارك منه، الإله خفي لا تدركه الأبصار، ورغم أنه خفي فهو موجود، تراه مع أنك لم تره، يدبر الأمر كله له المبدأ والميعاد، لأنه خفي كل ما يتصل به خفي، وهو مصدر كل شيء، لأنه خفي كل ما يتصل به خفي الأنفاس الأرواح الأحلام لأنه خفي كل ما يتصل به يجب أن يستتر، ومن يتصدى للخدمة عليه مراعاة ذلك، استوعب وليس عليك رقيب عتيد إلا هو.
لم يتطلع المدير للكاهن الأعظم لأنه يكلمه من وراء ستار، عند الصمت ينتهي التلقين يمكن أن يستفسر مرة واحدة.
يسأل كيف أعرف الطريق إلى بلاد بونت؟ لم يتلق جواباً.
أعد كل شيء للرحلة بعد طول انقطاع.
الأسماء كلها عند الإله الخفي أوجدها وأخفاها هو لا اسم له لم يسمعه أحد لم يسبقه قبل ولم يتبعه بعد، خلق ذاته بذاته، لكل اسم، لو أن النهر اسم للبحر لتبدل أمره.
بونت في مكان ما حتى الآن لا يعرفه.
بونت تستدعي لونا بُنيّا يصعب تصنيفه، بنايات من طابق واحد معتمة.
يدرك المدير أن الرحلة تبدأ داخل الذات أولاً إذن يمكنه السفر دون سفر.
أي بونت؟
تلك التي وصفها الكاهن الأعظم أم التي تحددها المدونات أم التي تخيلها؟
بونت هناك في مكان ما .. تبدأ الرحلة إليها من موضع مطل على البحر الشرقي أو ما يسمى أو ما يسمى بالبحر الأحمر ...بونت شواطئها على البحر لكنها موغلة في العمق ، بونت جبال متفاوتة الارتفاع.
يصف لنا البطل هذه البلاد بالتفصيل، ومن خلال المدونات، وهو ما يثير مدبر الرحلة ولابد لتمام التصور من: حضور مادي، ظلاله، اسمه الحاوي، شرط وجود الظل حضور الأصل، الأصل في الأشياء الظل.
يتصور مدير الرحلة ما يجعل تلك البلاد دائرية ويتخيل كل ما فيها من خلال مجريات الاسم تابع مدبر الرحلة تصوراته وأعمال البحارة والاستعداد للرحيل.
بين ركاب السفينة الأولى ثلاثة: الأول عمره 24 سنة والثاني 23 سنة والثالث 20 سنة يتقنون لسان تلك البلاد، كل رحلة فيها ثلاثة...إذا جاء الموت فجأة ؛فالثالث فيحفظ ما عرفه الأول والثاني ..
يتصور مدبر الرحلة هيئة الرجال والنساء هناك وما يتطلعون إليه ...الهدايا حلي ومنسوجات وأطعمة، ولثمار الوادي مذاق مغاير، وأرض كيميت (مصر) يكسب الثمار مذاقاً فريدًا؛ والهدايا درجات ولها طقوس وهي تقدم، في بونت يعرفون النطق والإشارة ويجهلون الكتابة، كل الاستفسارات يمكن الرد عليها عدا المحظورات: الإفصاح عن أسرار الإله، الكتابة، مضامين الحروف والأشكال، سيأتي زمن لا تشير فيه الحروف إلى دلالاتها، ربما تغيب معاني الألفاظ وتتغير، الاسم مفردة متصلة منفصلة، ما يوحي به الآن اللفظ بونت وربما يوحي بعكسه بعد ألف فيضان...
بعض الهدايا يسلم عند الرسو، وبعضها في قصر الطين، وأثمنها عند الحصول على اللبان وأغصان الدم وريش النسر والحجل، وآخرها عند الرحيل.
بونت: بخور لبان طيور تحلق.
بونت يكفي نطق الاسم بعد ليال أمضاها محدقاً في النجوم عند لحظة معينة تدركه نشوة الفهم، رعشة الكشف.
لم يستغرق في التخيل مدبر الرحلة سنحي بمفرده بل كل من أقلع وأوغل بحراً.
الكاهن الأعظم يأمر أن يخلو كل منهم بنفسه في أماكن الإقامة الملحقة بالمعبد بدءًا بالمدبر إلى أصغر البحارة المجدفين، ويحضر الكتاب والرسامين والملونين، ليرسموا ويكتبوا ويلونوا كل ما شاهدوه خلال الرحلة إنها بونت كما رآها مدبر الرحلة كما تخيلها ثم ينصرفون ولا تجتمعون مرة أخرى من رأى بونت لا يحق له أن يطلع عليها مرة أخرى مدبر الرحلة سنحي يلتحق بخدمة المعبد الكبير، ويحكي عن الرحلة بالتفصايل.
إلى هنا تنتهي الكتابة المدونة بقلم الطير المنقولة نصاً على يدي ذي النون .. مسافة خالية ويدون: سافرت ثلاث مرات وجئت بثلاثة علوم: في السفر الأول جئت بعلم قبله العوام والخواص، في السفر الثاني: جئت بعلم قبله الخواص دون العوام، في السفر الثالث: جئت بعلم ما قبله العوام ولا الخواص: فبقيت شريدًا وحيدًا إلى أن قرأت تلك المدونات فأدركت من ألم بمثل ذلك العلم، لكن الصلة بهم مستحيلة إذ إنهم خرجوا إلى هناك ومازلت هنا فسبحانه هو الناشر، الطاوي للطي.
17- سوقطرة
يرى البطل نفسه داخل غرفة في فندق مشيد من طين في حضرموت، ويذكر كيف وصل إلى تلك الحال بعد خرجته ومكوثه على صخرة مرتفعة تطل على الدير البحري، ويتذكر كيف أتى المكان منذ أربعين عاماً أول مرة ولم يكن يتخيل أن يلزمه منتظر خبرًا من الشيخ الطيب، يصف لنا ترتيبات الرحلة إلى جزيرة سوقطرة وهي زيارة استثنائية، ويصف لنا الجزيرة وما تضمه من حيوانات وكيف تختفي فلا ترى بأي وسيلة، وكيف يمتنع الناس عن الصيد حتى يلحق الأذى بالجزيرة، وتفسير ذلك في لفائف لغتهم القديمة، وهناك ثلاث جزر أخرى: (عبد الكوري، دراساه، سمحا) يعيش فوقها ستون فردًا لا يزيدون ولا ينقصون مثل واحة أم الصغير عدد سكانها 164 يتحدثون لغة قديمة ولا يزيد عددهم ولا ينقص.
يحكي البطل عن بلوغه الجزيرة ورؤية مدافع للدفاع الجوي عنها، قطعوا مائة وخمسين كيلو متراً ليصلوا إلى مكان شجر دم الأخوين، قال له سعيد السائق ما لا يرى في الجزيرة أكثر مما تدركه الأبصار، ويحكي عن أن المصريين سيصلون في مواقيتهم القديمة ويظهرون الخبيئة عند إحدى أشجار اللبان الست عشرة، ويحكي أن الإله هدت المصريين إلى تلك الجزر وأنهم رتبوا العناية بها حتى يعودوا، وبفضل ما عمله المصريون من تحاويط بقيت الأشجار، يصف لنا شجرة الدم واسمها دار سينا ويقال أن من سماها هم المصريون، وأنهم بحثوا كثيراً عنها فكان يهمهم درجة اللون، البعض حكى سبب اهتمام المصريين بالشجرة إنه قصة الملك وزوجته التي ماتت بحثوا عن تلك الدرجة من الحمرة، وينكر ذلك البعض ويؤكد أن المصريين أدركوا فاعلية دماء الأخوين في علاج الأمراض، ويدعي أهالي الهضاب أن ذلك يتعلق بالطائر المقدس، وأنه اختفى في الجزيرة ومن يومها تنزف الشجرة دمًا إذا جرحت بسكين، فهي دماء ذلك الطائر الذي يموت ويبعث من بقاياه، ربما يكون الحجل..
يحكي أنه رأى كيف تنزف الشجرة ولون الدم العجيب، ويقولون أن الشجرة تئن، وأن كل حجر وشجر وحيوان في الجزيرة يتكلم ويبكي ويضحك ،ولا يدرك ذلك إلا القليلون، السلاحف لا تأمن على بيضها إلا في الجزيرة حيث لا يوجد خطر على البيض أو السلاحف الصغيرة، يقولون إن المصريين حاولوا أن يأخذوا شتلات من تلك الأشجار لاستنباتها في مصر فلم ينجحوا وأخذوا يترددون على الجزيرة في أوقات معلومة، وهم تركوا دائمًا وعدًا بالوصول بالهدايا والأطباء والأشعار.
18- حرير أخميم
يتذكر البطل سفره إلى ألمانيا حيث أقام هناك شهراً ونصف، ولقائه بأحد أبناء عائلة مقلد في أخميم هناك وعم جمعة بائع الزهور والمحارب في أكتوبر، مقلد يصحبه إلى متحف الأحياء الطبيعية، يصف لنا البطل متحف كلاين وصفاً دقيقاً، ويجد في معرض الفنان كلاين قاعة خاصة بحرير أخميم، ويبقى تساؤل البطل لماذا الحرير في أخميم، في أي عصر عرفت البلدة دودة القز، وفرزها ونسج الحرير، الحرير يخص الصين من جاء به إلى أخميم؟ الكتان قماش مصري تماماً، ولا يعرف البطل هل الثياب الشفافة التي ترتديها بعض الفرعونيات من الحرير، ويحكي أنه رأى النقوش الأخميمية في متحف القرون الوسطى بالحي اللاتيني، وفي عدة أماكن في أوربا.
يتذكر ما قاله ابن عطاء الله السكندري: ما قادك إلا الوهم .. مر الوقت بسرعة ينبهه مقلد لذلك.
يحدثنا البطل أنه عندما غادر المتحف بعد مشاهدته لتلك المجموعة من حرير أخميم صار حضوره في الذاكرة أقوى، ويذكر إن ما نقش على الحرير اختصار لعلوم الأقدمين ربما يأتي يوم تفك فيه أسرارا هذه الرسوم على الحرير كما فعل شامبليون.
البطل متأكد أن نقوش الحرير ذاكرة في حد ذاتها تنتظر الكشف عنها، يحكي حكاية الكاهن الشاب والأميرة الصينية ولقائهما في سوقطرة وإنه تعلم منها صناعة الحرير ولا يعرف محدثة ماذا قدم لها الكاهن مقابل ذلك.
19- صبا
يحكي لنا البطل أنه كان ينزل في بيت عائلة طيبة في القرنة، وكان يعتبر نفسه واحدًا منهم، وصاحب الدار محمود يصفه لنا وصفًا رائعًا، ويحكي كيف هامت به سائحة سويسرية عرضت عليه الزواج رفض ترك داره أو الزواج على زوجته وابنة عمه، كانت السويسرية تنزل في الإجازات وتقيم في بيت محمود كواحدة من العائلة، يحكي أنه لم يكن يتصور أنه سيقيم معلقاً فوق صخرة مشرفة على ما تجوّل فيه من قبل، يتذكر ذلك البيت وهو يراقب بزوغ الشمس وألوان الشروق، يتذكر الأنغام وكيف جذبه مقام الصبا، وكيف يحيره، يفكر فيما لا يخطر على بال صحبه، يتساءل هل كانت أمه تستمع للربابة وهي حامل فيه، هذه الآلة القديمة يدها مرسومة على جدران المقابر وفي المتاحف خاصة اللوفر، يحيره مصدر ميله إلى الصبا، يحدثنا عن ابنته وهي تودع غرفتها وأمه وهي تودع البيت وتطابق طريقتهما.
يصف لنا البطل تعلقه بالموسيقى وعدم معرفة سبب تعلقه، قد يكون ذلك السبب الخفي راجعًا إلى هدهدة أمه له وهو صغير كما رآها تفعل مع شقيقه الأصغر، تلاوة القرآن الشيخ محمد رفعت الشيخ عبد الباسط والشيخ مصطفى إسماعيل، ويحكي لنا كيف كان يصغي لتلك التلاوات، وإن للمواقيت أنغام شتى ويصل بينها الصبا، الصباح وأغاني مذياع الجيران، حفلة أم كلثوم في الخميس الأول من كل شهر، قبل نشرة الظهيرة نصف ساعة أغان، أيام الجمع بابا شارو وما يطلبه المستمعون، الوجود الظاهر لا يمكن التعرف عليه دون ألوان، والوجود غير المرئي يستحيل إدراكه دون أنغام، لكل إنسان نغم دفين محظوظ سعيد من يعرف، ونغم البطل هو الصبا، الأنغام حولنا، داخلنا، لا بد من الإصغاء لما يحتويه الاسم اسم النغم.
20- الهفوف
يرد على خاطره اسم الهفوف يوحي له بالكثير حيث لم يسع إليها ولم يقم بها لكنها عرف عنها من خلال الاسم أنها مستقر للذكريات المنسية لذلك كثر الوافدون إليها بحثاً عما كان منهم، قصدها متعلقون بغائبين، وعلماء وبعض أهل الموسيقى، ويفاجأ الجميع أن الإنسان لا يمكن استعادة إلا ما ضاع منه، كثير ممن وصلها تنقطع أخباره قلة من ظهروا بعد انقطاع، ولا يدركون بشيء يسهل على الآخرين الرحلة، وشرط الاحتفاظ بالذكرى التي كانت عدم الإفصاح عنها، يحتفي أهل الهفوف بالغرباء لكن يحبون أن تكون الزيارة سريعة لا يحبون إقامة الغرباء لمدد طويلة، يخشى البطل أن يتمكن منه النسيان، ليس الوجود إلا ذاكرة، وليست الذاكرة إلا أسماء، يحدثنا عن الشيخ العلامة أمين الخولي يتخيله ينظر إليه من غياهب الخلاء، يراه متصدراً الجلسة مساء كل أحد، لم يترك الشيخ كتباً كثيرة لكنه ترك رجالاً كثيرين يعتبر البطل نفسه واحدًا منهم، يتذكره وهو يقول: أول ما تفقد الذاكرة الأسماء، والبطل نفسه بدأ ينسى الأسماء وكثيراً ما قابل من لا يتذكر اسمه لكن يتذكر شكله، ويقول: لو أنه ذهب إلى الهفوف لتذكر ما فقد من أسماء، ويتذكر أنه لم يذهب إلى الهفوف ولكن مر بالقرب منها وهو راكب في الطائرة المتجهة من الرياض للخليج.
21- نيسابور
يحكي لنا البطل عن الصداع الذي يلازمه منذ مولده، ويحكي نبوءة شيخ مغربي له: لا تجعلوه يبلغ نيسابور إذا بلغها لن يخرج منها حياً، ويذكر نبوءة الشيخ لأخيه المريض قال: إذا طلعت عليه شمس الجمعة ربما يبلغ المائة، مات أخوه فجراً، وهو يتحاشى نيسابور، وفي كل بلد يذهب إليه يسأل عن أسماء المدن ربما تكون هناك مدينة باسم نيسابور غير الأصلية، ويذكر أنه تخلف عن رحلة في بلغاريا لأن مدينة سيمرون عليها بالاسم نفسه، وهو مع حرصه على ألا يذهب أو يمر بنيسابور فإنه دائم الترحال حتى لا تلحقه، وهو كما يحذرها يحذر كل ما يمت لها بصلة، حتى إنه يطالع أشعار الخيام وجٍلا بعدما علم أنه أمضى وقتاً في نيسابور، وهو يرحل كثيراً كأنه يفر من لحاق نيسابور به، قال أستاذ جامعي في ندوة عن البطل: غريب أمره، دائمًا على سفر، دائمًا في شروع، ترتسم ابتسامة على ملامح البطل: إنهم لا يعرفون.
22- سنجم رع
الاسم الصحيح ((سي نجم رع ))عرفه البطل من الأستاذة باسكال، وهو لا يعرف عدد المرات الذي زاره فيها حتى صار إلى حالة فوق الصخرة، ويحكي كيف يتابع ما يحدث في مجال نظره وما يتخيله وما يتذكره، ويحدثنا عن سي نجم رع وامرأته وابنته، ويحدثنا عن تعمقه في كل التفاصيل، وصار يرى ما لم يقع عليه بصره، ويصف لنا مرقده على شكل رحم، ويتذكر رجلاً نقله الإنجليز بتربته إلى المتحف سماه: إنسان البراري مقبرته على شكل رحم، يصف لنا مقبرة سي نجم رع حيث يغلب عليها اللون الأصفر بألوان خصبة طازجة، يذكر زراعة وحصاد القمح، وأنه لابد يحيا حياة موازية ويبدي البطل دهشته وإعجابه بالمنقوش: الشجرة الأنثى جذعها بني غامق عريض ربما سنط جميز كلاهما مقدس تنبت منفتحة إلى أعلى مفردة اليدين والأصابع مندمجة بالأغصان المثمرة، شجرة أنثى، أنثى شجرة، كل شجرة امرأة كل امرأة شجرة .. يستعيد المشهد الذي صاغه سي نجم رع عندما يوشك على ملامسة المقصود يمسك ؛فالغاية أبعد والأمر أسهل.
23- كعب الأحبار
يحدثنا البطل أنه قد يجد الاسم دون أن يجد المسمى، ومع وجود الاسم نطق واستنطق، ويضرب مثالاً بكعب الأحبار، فبعد أن دقق فيما نسب إليه وروى عنه أيقن أنه مجرد اسم، أطلقه البعض ليحقق وجودًا لمن لا يوجد حتى يتم الإقناع بما يقال.
كعب يعني وجهه والأحبار جمع حبر أي العالم العارف المطلع التقي المتبحر جامع الأصول مدرك الفروع إليه ينسب كل ما يمكن أن يتلاشى خاصة ما يتصل بسير الأولين، يبدأ بإسناد الأمر إلى اسم قريب ثم اسم أبعد إلى أن ينتهي إلى كعب الأحبار فيورد كاملاً لأنه علم لا بعد بعده، أو يبدأ الأمر به ثم يسند إلى أسماء خيالية إلى أن يستقر عند أبينا آدم أو أحد الصالحين الذين عاشوا قبل الإسلام، رغم يقين البطل بعدم وجود كعب الأحبار إلا أن هيئة تشكلت له عند البطل، قعد في ركن مظلل بعمامة، في خلفية كعب يجلس متربعًا ينطق بالأقوال المتوارثة، خلاصة الحكمة، يمثل في اللا أين يتطلع إلى البطل يحدثه ينبئه يزيده علمًا بما لا يعلم.
24- قطر الندى
يحدثنا البطل عن الاسم وما يصل عبره فلم تصل إليه ملامحها فلم يكن مسموحًا وفقاً للمعتقد، والخوض فيه خطر، يتذكر وهو يصغي إلى الموسيقى السجية، وشعور قوي بالوحشة إذ تبتعد الجميلة عن الديار.
يحدثنا عن صفات قطر الندى وأكلها ولبسها، الحياة جمع والموت تفرقة كما قال شيخ البطل محيي الدين، تتدفق الأفكار مع نطق الاسم مثلها لم يخلق في البلاد، جميلة مثل جميلة الجميلات نفرتاري، يتذكر رحيلها من مصر إلى بغداد كيف وافق أبوها، كيف تُدفع إلى فضاء لم تغرد فيه قط، أمها أدركت ذلك اشترطت أن يصحب ابنتها كافة ما اعتادت عليه، بنيت لها القصور المشابهة على امتداد الرحلة، صحبها كل ما يؤنسها، لكن فاتهما جوهر الغربة ونفاذها، يقولون في الجنوب: انظر في مرآة الغربة فما أعجب وما أدل!
يستعيدها فيحزن البطل ، تمنى لو استطاع وقف رحلتها، تروح منه وتطرقه مع مثول اسمها ، يتبدد بين الدنو الابتعاد.
25- درب الأربعين
يحدثنا البطل عن الكلاف الذي يسلك بالجمال ويعبر درب الأربعين ويسلمها إلى التاجر في برقاش قرب عاصمة مصر، تقطع الإبل المسافة في أربعين يومًا، الدرب الأشد فقرًا ،لا يوجد له وصف مدون، إذا أصيب الكلاف يقود جمله القافلة، جمل الكلاف ليست جزءاً من القطيع، ويحدثنا عن العلم الذي يحيط به الكلاف، وأخطار العواصف التي يمكن أن يخفي قطيعًا بأكمله ومازال البحث جارياً عن جيش قمبيز الذي أخفته العواصف منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة، ويحدثنا أن حسن السلوك من شروط من يقود القافلة ويصحبها في درب الأربعين والكلافة تتوارث فلابد من إتقان معلومات كثيرة وأسرار لنجاح العبور، ويتحدث عما يجب أن يعرفه الكلاف لينجح في عبور درب الأربعين الموحش، يحدثنا عن سرحه الخلاء ، وكيف يخاف الجميع على بعضهم، قديمًا كان الدرب لكل البضائع القادمة من الجنوب إلى الشمال، يحدثنا عن أخطار الدرب من ينفصل يضيع لا يبحث أحد عنه، الكلاف يقتفي أثر السابقين وأنتفاسهم ، شرط النجاح خلوص النية.
26- أنيس الجليس
يحدثنا البطل عن علاقته بالجمال، ويحكي عن لقائه بأنيس الجليس في الواحات الداخلة، ومعجب بها ،وبأشجار الزيتون بها ودرجات اللون، قرية القصر كلها مبنية بالطين جذبته كما جذبته أبيدوس والقرنة ورشيد وشرق النيل، ويحدثنا عن الصعيدي الهارب من الثأر والذي غرق في عين المياه، يحدثنا عن أنه تمنى عبور درب الأربعين كله وأنه التقى بقادة القوافل ومن تخصصوا في عبوره ، ومعلوماتهم الجمة عنه، يقولون أن لقطع تلك المسافة شروط لا يذكرها أحد، عندما يتذكر أنيس الجليس يتذكر درب الأربعين رغم ما يعرفه من عدم وجود صلة بينهما، المرأة في إحدى حقائقها طريق، كل أنثى مصير،ـمنها الغاية وإليها المنتهى فيها الولد وفيها لبلد، ويحدثنا أنه مهما شرق أو غرب عينه على أم الوجود عذراء الكون، استمراريتها آلاف السنين، يتذكر مجموعة من الباحثين متواجدين بالواحات، يصف لنا الاجتماع الذي حضره وأن حضور أنيس الجليس كان طاغياً على حضور الجميع، يصف ثيابها بالتفصيل ويصف ملامحها وأهم ما يميزها، ظل يراقبها ونجح في أخذ صورة لها، يسهب البطل في وصف جمال أنيس الجليس، وهو يتذكرها ويتذكر حواره معها، وأنه لم يكن يتوقع أن يتطلع إليه كل هذا الجمال ، يتذكر كيف أعطته رقم هاتها ويتخيل مغامرة معها في الخيال، ويحدثنا أنها بلغت الثامنة والعشرين دون زواج ويخبرنا كيف تزوجت من يكبرها بلاثين سنة بعدما هام بها حباً، وأعطاها كل ما يملك لتتزوجه، ويحكي لنا كيف دعته إلى بيتها في القاهرة وكانت تهاتفه يومياً، وتخبره أن صوته يثيرها، يصف لنا لقاءه بزوجها ومشاهداته في شقتها ذات الطابقين، يفاجأ بها وقد قبلته بسرعة عندما خرج زوجها، ويشعر بالشفقة على زوجها، لم يعد اسم أنيس الجليس يعني شي
......................
تمت بحمد الله
صالح شرف الدين


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016