مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قصة الأديب خالد بدوي ( النمل )..إطلالة نقدية للأستاذ / محمود عودة





افتتح الكاتب القصة بعبارة استيقظنا من نومنا على أسراب من النمل تسللت داخل بيتنا من الترعة المتعفنة أمام الدار
كانت براعة الكاتب بهذه العبارة التي جعلت الترعة المتعفنة رمزا للعدو والى الحالة الكئيبة في مجتمعنا العربي مما ساعد العدو على بث اسرابه الى الجسد العربي في شكل نمل سام تأكل جسده مما دعى هذا المجتمع الى حك جسده باظافره لدرجة الأدماء وحتى هذه الأظافر باتت ضعيفة لم تقوى إلا على حك الجسد فقط .
ثم يأخذنا الكاتب ببراعة الى الخلافات التي دبت في العائلة وتوزيع الأتهامات على بعضهم فالأم تتهم الأب بالأهمال لعدم إحكام غلق باب البيت مما أدى الى تسرب النمل والأب يتهم ولده الأكبر الذي عاد الى البيت مخمورا فترك الباب مفتوحا ثم يصفع الولد الأصغر لتركه باب الشرفة مفتوحا وهو يراه واقفا يختلس النظر لبنت الجيران ، وبدت الأشارة واضحة لتفكك الأسرة وإنشغال كل منهم بهمومه الخاصة وغير عابئا بالنمل المتسلل في جسد الأسرة .
بذل الأب رب الأسرة جهدا كبيرا لمقاومة النمل فوضع جسرا أمام البيت ليتفادى تسرب النمل ولكن ذلك لم يفلح بل أدى الى سقوط الأبن الأصغر في الترعة العفنة ولولا براعة الأبن الأكبر الزائفة في السباحة لمات وهنا أشارة رائعة من الكاتب لبعض الزيف في المجتمع إذ من المفروض أن الترعة عفنة ومهجورة وبالتالي تكون ضحلة ولا تحتاج الى براعة سباحاً ماهراً .
بجمل رشيقة وسريعة وبعيد عن الأسفاف ينقلنا الكاتب بعد ان فشلت كل المحاولات للتخلص من النمل بالمبيدات المحلية الصنع مما ادى الى تسربه الى كافة سبل الحياة المعيشية للأسرة للدرجة التي باتوا يخافون حلب الشاة فيتسرب النمل من ضرعها .
وبذكاء رائع من الكاتب نقلنا الى الوالد الّي جاء بالحل للقضاء على النمل بالمبيد الحشري الأمريكي الصنع الذي وجده لدى عمدة القرية ، طبعا لم يجد بل ساعد على توحش النمل وهنا إشارة واضحة من الكاتب لما يتصوره البعض بأن الحل لقضايانا السياسية والأجتماعية والمصيرية أمريكي كما يحدث الآن في معظم دولنا العربية .
وبنقلة سريعة من الكاتب ياتي بكابوس مزعج لأخيه الصغير وهو يرى النمل وقد نمى وترعرع وبدى بحجم بعير وله اسنان حادة مزقت جسده ، لم يكترث الكل لهذا الحلم فهو مجرد كابوس ولكنه اشارة ائعة من الكاتب لمدى تطور العدو وتوسع نموه ومدى خطورته ، وبعد فترة بدأ النمل ينهش أثاث البيت فسقط سرير الرواي بعد تآكل قوائمه وهنا لعن الوالد المنتج المريكي الذي ساعد على توحش النمل بدلا من القضاء عليه وهنا نرى رمزية واضحة .
بعد ذلك نقلنا الكاتب بسرعة موفقة الى مؤتمرات القمم العربية فقال جملة : لاخاب من استشار ، إجتمع حكماء القرية في بيت العمدة وتحلقوا حول المائدة المبهرة بالمنتج المريكي الذي استخدم كمبيد حشري للنمل وبدلا من البحث عن حل للمشكلة وبعد ان امتلاءت البطون واحتساء القهوة انتقلوا الى المداعبات وانفض الأجتماع كما بدأ .
عاد الوالد ليفكر بحل على طريقته منفرداُ فقام بحفر قناة حول البيت ملئت بالمياة للوقاية من شر النمل وانشغل كل أفرا العائلة كما كانوا بمشاغله الخاصة ما عدا الوالد المتعود على سماع نشرة الأخبار فقام بنقل التلفزيون الى غرفته ليسمع خبرا ينتظره لينهي الكاتب القصة بعبارة محبكة تشرح كل الرمزية الوارة فيها والتي قصدها .
( انتهت النشرة والبث ، لم يسمع والدي الخبر عن القضية الفلسطينية )
بهذه العبارة نرى ان الكاتب من خلال قصته القصيرة شرح القضية الفلسطينية كاملة على وضعها الحالي وما وصلت اليه وكيفية تعامل القادة العرب معها ، فسمحت للعدو الصهيوني وبرعاية امريكية لبث سمومه واعوانه في الجسد العربي برمزية النمل ، حتى الأدوية المصنوعة في أمريكا ساعدت على تقوية النمل بدلا من القضاء عليه وهنا إشارة واضحة الى المقاوضات الجارية الان بين الفلسطينين والدولة الصهيونية والحبكة تشير الى أن كل القادة العرب تركوا الجهة الفسطينية الضعيفة تفاوض برعاية امريكية منفردة ودون مساعدة بعد أن تم نهش الجسد العربي بالنمل السام الذي انتشر بغزارة في أنحاء الوطن العربي ، واما الترعة المتعفنة والتي تسرب منها النمل فهي إشارة الى العدو الصهيوني المرزوع في وسط الوطن العربي ، واما القناة التي حفرت امام البيت وملئت بالماء لتفادي شر النمل فهي اشارة من الكاتب أن كل دول الوطن العربي أصبحت تفكر بنفسها ولنفسها وحيدة وبعيدة عن العمل العربي المشترك .لقد ابدع الكاتب في نقل الصورة برمزية إتضحت جلية بالحبكة وبجمل رشيقة وسريعة وبعيدة عن السهاب فكل كلمة وردت في القصة تؤدي الى النهاية الواضحة للقصة
................
محمود عودة



التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016