مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

وقفة مع الرباعيات الفصيحة لنجيب سرور بقلم الشاعر/ ناصر صلاح



نجيب1





فن الرباعيات من أبدع وأروع فنون الشعر سواء العامي أو الفصيح لأن الرباعية في حد ذاتها تعتبر خلاصة الكلام أو كما يشبهها الشعراء بأنها إما أن تكون زهرة فواحة أو سكينة دباحة، فهي باختصار كلقطة الكاميرا الخفية .
ومن أشهر الرباعيات التي يتداولها العامة والخاصة رباعيات الخيام ورباعيات جاهين .. وغيرها ربما لم تأخذ شهرة ما ذكرناه من رباعيات لظروف وأسباب تختلف وتتعدد ، ولكن من هذه الرباعيات المظلومة رباعيات نجيب سرور.
نعم رباعيات هذا العملاق الكبير وهى رباعيات فصيحة تجاوزت الثلاثمائة رباعية وتتسم بفلسفة عميقة ورؤية نقدية ذاتية وعامة وثقافة غنية والحديث عن سرور لا يحتاج للمزيد فهو علم من أعلام الشعر في زمن عجيب زمن المتناقضات واشتهر سرور ب (امياته ) التي تصور محنته وما تعرض له من مؤامرات.
لكن للأسف أن الذين استوقفتهم رباعياته المميزة قليلون هم وضاعت أصواتهم بين ضجيج أشعاره السياسية وحياته الخاصة وقد انتهى من نظم رباعياته في أوائل يونيو 1974 وكان وقتها يعالج بمستشفى د\ النبوي للأمراض العقلية والنفسية ، لتصبح هذه الرباعيات دليلا قويا على سلامة قواه العقلية وإدانة واضحة للمؤامرة التي حيكت له.
تعالوا في وقفتنا الأولى معه نستكشف ما كتبه عن اليهود في عدة رباعيات نقتطف منها الزهرات التالية:
اسحقوهم إنهم في الأرض دود بل قرود .. تتقن الكيد وتمكر
إنهم جنس تسمى باليهود ومضى في كل جنس يتنكر
إنهم كالسوس في كل الملل كالأفاعي تتخفى في المذاهب..
 
صيروا الأديان طرا والنحل.. للهدى قبرا وللغدر ملاعب
انبشوا التاريخ واستفتوا التراب كم أبادوا في الدجى من عبقرية
لا تقولوا الشؤم يوم أو غراب فهم في الحق شؤم البشرية
راقبوهم فلهم ألف لسان كلها رمز وهمز واصطلاح
ومن الصمت كما النطق بيان ينطق السيف بأفواه الجراح
ارصدوا أحداقهم أنى تكون إن عين اللص حيرى لا تقر
هذه الأحداق أفواه قبور فاحذروها ... هي للموت نذر
كالسعالى فلنكن مثل السعالى لا يفل الشر إلا شرشر
يا أفاعي الخبث بالخبث تعالى هذه المرة اعددنا الحجر
لا تحبوهم فهم أعداؤكم لا تديروا أبدا للصفع خد
وليرث من بعدكم أبناؤكم العصا قبل يهودي وقرد
هكذا اتسمت هذه الرباعيات بالمكاشفة وتفنيط أهم سيمات اليهود الصهاينة ثم انتهت بالمقاومة وبندائه الذي يذكرني بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( إنما الحرب خدع ) .
ومازلنا عزيزي القارئ نستمتع معا بالغوص في أعماق رباعيات نجيب سرور نداعب أمواجها الهادئة حينا ونصمد أمام رياحه الهوجاء أحيانا.
كانت من ضمن التهم التي ألصقت بسرور انتمائه للشيوعية أو الاشتراكية المنحرفة عن تلك التي بشرنا بها ضباط الثورة البيضاء !!
وبعيدا عن الخوض في معنى الشيوعية وأهدافها والفرق بين أتباعها من المسلمين وبين غير المسلمين، نجد في رباعيات سرور مناطق عديدة تحمل شهادة التزامه الديني ولو بقلبه وقوله فنلمح ملامح إيمانية تبدو من خلالها صوفية شفافة لم تُعكر بفكر ايدلوجى ولا بانتماء تياري بل هي الفطرة الخالصة وعلى سبيل المثال:
بذرة ألقيت في برد الشتاء\ ها هي اليوم ملايين الثمر
إنه حزبك .. حزب الشهداء\ فليكن نور وينشق القمر
رغم أن حديثه لإمامه في الشعر أبى العلاء المعرى ، ولكن لو لم أشير إلى ذلك لاستقبل المتلقي المعنى وأسقطه على الإمام الأكبر ليس شيخ الأزهر طبعا وإنما الرسول الكريم وما يساعد على ذلك الإيحاء باقي كلمات التعبير ( شهداء نور – انشق ).
إنما المجد لمن ألقى البذور\ بينما الأرض بأكفان الجليد
هكذا تلفظ موتاها القبور\ كل نفس سوف تأتى بشهيد
وهكذا يستمر حديثه لإمامه الذي ألقى بذرة المقاومة بشتى معانيها في وقت الجليد ، ثم يأتي التناص مع القرآن الكريم في قول سرور - كل نفس سوف تأتى بشهيد - ( وجاءت كل نفس معها سائق وشهيد).
نحن خلق الله فينا الشعراء\ مثلما فيكم وكم منا أئمة
نعبد الله ولكن بالغناء\ كلنا في موكب التسبيح أمه
مجد الله ومجد ما خلق\ من جماد ونبات وحياه
ربما كان بذرا أو علق\ أمم ترفع لله الصلاه
قد بلونا العيش موتا في حياه\ وبلونا الموت عيشا في ممات
إنما الصبر على البلوى صلاة\ وصلاة الصبر أم الصلوات
جل ربى جل عن كل افتراء\ وتعالى عن خفاء وظهور
تدمع الأحداق من فرط الضياء\ كيف بالقائل "كن" يانور نور
هكذا احبائى يتضح لنا من النماذج السابقة كم كانت دواخل سرور نقية على فطرتها وأن دلل أحدهم على غير ذلك من خلال بعض تسجيلاته أو رباعياته أيضا أقول له احمد الله انك لم تتعرض لعشر ما تعرض له سرور وعليك بتحليل معاني استشهداتك وربطها بالسابق عليها واللاحق بها .
سرور – رحمه الله – بالفعل كان عبقريا رغم ما أصابه من جراء المؤامرات والسجون والتعذيب والعلاج المفسد للذهن والجسد .
و نجد أنفسنا الآن أمام قضية هامه أدلى فيها سرور بدلوه فبهر كل من تطلع إلى رباعياته حول هذه القضية ألا وهى علاقة الشاعر بالسلطة والسلطان.
كلنا يعرف أن الشعراء على مر بعض عصورهم القديمة كان مدح الأمراء وأصحاب النفوذ من أغراضهم الأساسية بل أن هذا يحدث في العصور الحالية وإن كان اقل كما وكيفا ، ونعلم أن القليل منهم امتدح من يستحق أما الباقي فدائما ما كان مدحه أو هجاءه مرتبطا بالمصلحة الشخصية مثل جلب منفعة أو درء مخطره
والأكثرية لنيل الهدايا والعطايا والمنح والتقرب من أصحاب القرار وصناعه حتى لو كان المتقرب إليه بالمدح اجبن من أرنبة حامل وأغبى من حمار وأنجس من كلب .
فما رأى سرور في العلاقة بين الشاعر والحاكم تراها في هذا الاتجاه أم انه اتخذ اتجاها معاكسا سأترككم مع هذه المتعة وهذا السحر ونلتقي بعده:
لم أقف يوما بأعتاب الملوك / لم أكن يوما بركب ببغاء
ليس لي أي رصيد في البنوك / فأنا لم احترف بعد البغاء
لم ألذ يوما بباب الرؤساء / فأنا أكره أشباه الرجال
لم أكن بين بغايا الشعراء / أنظم الشعر على دق الريال
لم أكن يوما لسلطان نديم / يقرب الأشعار ذبحا في الطقوس
لا ولم أقصد بأشعاري الحريم / أمدح المومس زلفى للتيوس
لم أسل كالكلب رفد الأغنياء / فأنا أكره من مهدي النجاسة
لم أكن كالبوق في رهط الرياء / مجدوا العدل بأسواق النخاسة
لم أخف في رحلة الأهوال حاكم/ يرفع السيف ويدنى المشنقة
بينما الجلاد في كل المحاكم / يقتل الإيمان باسم الزندقة
أبدلوا في الآية (السحر) بشعر / فأباحوا قتل كل الشعراء
إنهم يخشوننا فالشعر سحر / هبة الله لكل الأنبياء
هكذا عزيزي القارئ تتضح لنا جليا معالم الرؤية للفكرة من خلال أبيات حملت في طياتها الفخر والمدح والهجاء والسياسة ، إن نجيب سرور يأتي بالمواضيع من نهايتها لا مجال للمداورة والمحاورة والتلعثم وتزويق الكلام وتزيين المعنى فالمسألة معادله سهلة جدا صعبة جدا تحتاج لنفوس أبيه وعزيمة قويه وإحساس بالقيمة وتقدير للموهبة النعمة التي منحها الله للشعراء أو كما وصفها ( هبة الله لكل الأنبياء) ، المعادلة تحتاج شاعرا مثل سرور رحمه الله وتأملوا الأبيات التالية لتدركوا هذه النوعية من الشعراء هذه النوعية التي ازعم أنها بدأت تنبت من جديد بين شعراء هذا الجيل ولو كان طرحها بسيطا لكنه واضح للعيان:
ينحني السيف ولا نحنى الرؤوس / ينحني الزيف ولا نحنى الجباه
وإذا كنا كبارا بالنفوس / فالحياة الموت والموت الحياة
هكذا نحن جميعا في العناد/ قصص تروى مثالا للشمم
نحن كالعنقاء تأبى أن تصاد / لا ولا نبرى كما يبرى القلم
اعرفوا أعداءكم قبل النزال / فأولوا الأمر جميعا عملاء
كتب القتل علينا والقتال / فابدءوا الحرب بحرب الأمراء
ومحطتنا الأخيرة مع نجيب سرور وقفات سريعة مع رباعيات ورؤى أخرى هامه .
في رؤية فلسفية عميقة وعامه للحياة يقول نجيب
هاهي الرحلة مذ كان الزمان/ لكأن الطير يهوى مصرعه
فالمدى قبر وفى كل مكان/ من شراك الموت نلقى مزرعه
نحن نعمى فى هوانا بالغناء / فترانا بأغانينا النسور
ثم يصمينا فنغدوا بصراء \ ندرك الأشياء لكن من قبور
كلنا فى الأرض مشروع خيانه \ ها هو الغدر ظلام فى النهار
لا تقولوا حمل المرء الأمانه\ قد يخون العهد عند الاحتضار
وفى وصفه لما آل اليه حاله وهو بالمستشفى :
ها أنا كالطعم فى دار الجنون \ فاخنقوا الأشواق كونوا كالحجارة
احذروا الأذان حولي والعيون \ واحذروا حتى لدى النعي الزيارة
بصمة القاتل فى صمت القتيل \ فاندبوا للبحث كل الخبراء
وانبشوا أثاركم فى كل جيل \ تحتها الأنهار تجرى بالدماء
ها أنا اقتات حتى بلعابي \ بينما شعري على كل لسان
يا زماني لو سدى كان عذابي \ فيكن موتى عقابا للزمان!!
ثم هذه رؤيته للنكسة وأبطالها وضحاياها:
ليست الحرب نفيرا وحناجر \ فالمنايا لعبة للخبثاء
صوبوا للظهر ألاف الخناجر \ ثم ساقونا وقالوا شهداء!!
إننا فى رقعة الأرض بيادق \ وعلينا من منايانا صكوك
واستوى فى المنتهى فذ ولاحق \ وتسلت بمنايانا الملوك
ثورة تجتثنا فى اثر ثورة \ أيها الثوار من يذبح من
إن نكن نحن الضحايا كل دورة \ فاسألوا الطاحون من أين الثمن؟!
أثقلونا فى الدياجى بالسلاسل \ ثم ساقونا إلى الأعداء أسرى
أيها الفرسان فى حرب الحبائل \ يصبح الفر بنا لا الكر أحرى
أيها النافخ فينا للقتال \ ليس بالقائد من قاد القوادة
ما شجاع .. ما جبان .. والصلال \ قبل شن الحرب شنتها إبادة
عندما يسقط منا فى الطريق \ فارس فلتحذروا أن تدفنوه
أصبح القاتل فى برد الصديق \ فاثأروا للميت ممن شيعوه
* وأخيرا رباعياته عن مصر ولكن برؤيته الخاصة:
كلمات .. كلمات .. كلمات \ إنه يونس .. ياسين .. يسوع
إنها طيبة أرض الطيبات \ إنها "طوبى" وبالطيب تضوع
لم تزل ايزيس كالعهد صبية \ تلد الفرسان أبطال الفداء
أنت يا ايزيس يا مصر النبيه \ لو سألنا عنك كل الأنبياء
انه صوتك قدسي النغم \ منذ إدريس كتاب وقلم
رقصة المذبوح من فرط الألم \ عنوة الفرسان حراس العلم
كوكب يا مصر درى السنا \ يتحدى العصر فى قلب الهرم
إيه يا مريم قد طاب الجنا \ فارفعي المشكاة فى وجه الظلم
اصرخي فى وجه كل البشرية \ اصرخي انى على العهد وفية
أنت منذ البدء يا مصر بهية \ لم تكوني قط فى الأرض بغية
هكذا نجيب سرور على حقيقته وهكذا رؤيته وفلسفته ورباعياته التي تحتاج إلى رسالة دكتورا متخصصة ، رحم الله سرور وجزاه بما صبر عليه من بلاء وتجاوز عن سيئاته .. أمين
............................
إطلالة الشاعر  / ناصر صلاح

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016