مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الشجرة الأم .....قصة قصيرة بقلم الأستاذ / محمود عودة





شجرة معمرة


 أثارت الدهشة غريزة فضولهم ، هم أشقاء مختلفون فكريا وإجتماعيا ، توغلت الفرقة بينهم ، إصرار والدهم على تواجدهم مجتمعين رغم علمه بخلافاتهم وخصوماتهم لبعضهم التي أعيته ، تساؤلات كثيرة تدور في فكر كل منهم ، لماذا هنا في كرم الزيتون شعلة خلافتنا الرئيسية ..؟ لماذا تحت هذه الشجرة الهرمة التي تتوسط الكرم ..؟ جلس الوالد وترك ظهره يستند إلى جذع الشجرة بوجهه البشوش وإبتسامته تلملم تجاعيد وجنتيه المحفورة بعمر السنين ، طلب من أولاده وبناته وعائلاتهم أن يتحلقوا حوله ، تعلقت عيونهم على وجه والدهم ، لم ينظر أحدهم الى الآخر ولم يتحدثوا مع بعضهم ولو حتى بالسلام ، تركوا أعمالهم وهرعوا من مدن متفرقة بناء على رغبة والدهم ، هاجس داخل كل منهم يقول بأنه سيتم اليوم فض الإشتباك ببيع الكرم وتوزيع ريعه عليهم حسب الشرع . تحدث الوالد متجاهلا خلافاتهم وهواجسهم وقال متسائلا : من منكم يعرف عمر هذه الشجرة ؟ لم يجب أحداً ، وخيم الوجوم على وجوههم قال الوالد : أنا أيضا لا أعرف عمرها ولا حتى والدي جدكم يعرف كم عمرها استغرب الكل حديث الوالد وزمّ كل منهم شفتيه وهز رأسه باستخفاف متمتما هذا الأمر لايعنيني . اتسعت ابتسامة الوالد لتبدو مغارة سنين عمره من بين شفتيه وقال : أنا ولدت أسفل ظلال هذه الشجرة وسألت والدي جدكم : عن عمرها فقال لا أعلم وحتى والدي جدك لا يعلم عمرها بالضبط . علت إمارات الدهشة وجوه الجميع وهم يرمقون وجه والدهم ويستمعون الى حديثه بشعف رغبة في سبر غور مقصد حديثه ، أردف والدهم هذه الشجرة لا تحتاجكم في شيء ولكنها تدر عليكم ثمارها بغزارة ، جذورها تعمقت حتى المياه الأرتوازية . خيم وجوم العجب على وجوهم ونظروا الى بعضهم لأول مرة منذ سنين بعيون زائغة ووجوه مشدوهة . كسر والدهم حاجز الصمت وتحدث وهو ينظر بعيونه الضيقة إلى أفواهم الفاغرة قائلا : أنتم تتشاجرون وتتخاصمون وتتسابقون جريا وراء أحلام زائفة ، هذه الأرض عصية على البيع فهي ليست ملكي وبالتالي لن تكون ملكم ، إنها املاك جدودكم ولا نعرف لأي منهم مملوكة ولم يجسر أحد بل لم يخطر ببال أحد من أجدادكم وأعمامكم أن يقدم على ما تفكرون فيه ببيعها أو تقسيمها . ابتسم جلهم ابتسامة صفراء شاحبة وحملقوا ببعضهم بدهشة واستغراب بينما استطرد الوالد في حديثه : أرجوكم أن تحافظوا عليها ، إذا احترقت فستذبل كل الأشجار حولها ، لأنها كبيرتهن بل أمهن نبتت كلها من بذور هذه الشجرة ، قطعا لن يكون هنا كرم بعد إحتراقها سيصبح أرضا بورا قفرًا لا تساوي شيئا . فجأة صمت الوالد وإختفت إبتسامته وتجهم وجهه وهو يخرج من جيبه بيد مرتعشة كتاب القرآن الكريم المقدس وقال بصوت عال وحاد يجب أن تقسموا أمامي وتعاهدوا الله على المحافظة على هذه الشجرة والكرم وتنبذوا خلافاتكم قبل أن تحرقكم بلظى لهيبها . لاحظ كل منهم وهو يؤدي القسم إرتعاش يد والده تحت الكتاب المقدس ولمحوا سحابة بيضاء تغطي مقلتيه وبدأ ينهار ويتهاوى من بين أيدهم وأنفاسه تهفت بسرعة حتى شهق النفس الأخير . قاموا بدفنه تحت ظلال الشجرة الأم وعادوا الى بيوتهم أخوة متحابين .. ولكن ...!
.........
محمود عودة


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016