مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

(رواية رن ) للأديب جمال الغيطاني جـ 2 رؤية نقدية للأستاذ / صالح شرف الدين





6- ليلة
يحكي البطل عن ليلة لا اسم لها غير محددة تحكي عنها المدونات الأخميمية، وتحكي عن قدس الأقداس، وعن الإله الواحد الأحد الذي عبده المصريون القدماء، وعن الحكمة وتصورات الحكماء، وقد أدرك الجميع أن معرفتهم ستصير إلى زوال فكيف يمكن الحفاظ على خلاصة ما توصل إليه الأجداد من معارف عبر الآلاف من دورات الفلك، يدرك من بلغوا أقصى المراتب: أن لا شيء سيبقى ولذلك اجتهدوا في الحفاظ على ما يمكن الإبقاء عليه إلى أزمنة لن يروها، ولا يمكن تخيل ما سيحدث في المستقبل لكل ما هو موجود فقد ؛تتبدل الأحوال غاية التبدل.
يحكي البطل عن لقاء جرى في المكان الأقدس غرب النيل، وفي أبيدوس، وهو الاسم الشائع بعد تمكُن الأجناس الغريبة من مصر كما توقعت النبوءات، ويتمسك بالاسم القديم لعنوان الكتاب المقدس: الخروج إلى النهار، وليس كتاب الموتى كما أطلق عليه الغرباء، يحاول تصحيح المسار، ولو لم ينجح سيوصي من جاء بعده.
يتحدث البطل عن أمر حاكم هو: صلة الوقت بالموضع ولأقدس ،الأماكن ثلاثة أسماء: قديمًا: أبجو، أبيدوس فيما تلا ذلك، الثالث غير شائع: العرابة المدفونة...
يتساءل: هل تتغير قوة الاسم بعد تبدله ولا إجابة، يتحدث عن مصدر القداسة، وهي ترجع إلى أن أوزير عندما قتل ست شقيقه وفرق أجزاء جسده على الوادي الرأس دفن في أبيدوس فهو مصدر قداسة مثل مسجد الحسين ،يتحدث عن تلك الليلة حيث جاءوا إلى قدس الأقداس فرادى حيث المقاصير التسع لتجليات الإله الواحد يليها الممر الحاوي للأسماء، وقائع مشاعر أسفار حيوانات شتى، بركة الماء، أسماء ملوك مصر، كل رن (اسم) محمي محوط عليه بالشن (الخرطوش) الكل يبدأ بالاسم وينتهي إليه.
ما سبق منسوب إلى رب الحكمة مؤسس العلوم كافة تغير اسمه إلى ((توت« ثم أصبح ((هرمس مثلث العظمة« أو ((النبي إدريس« عند العرب.
أصغى الكهنة في تلك الليلة إلى صوت المجرب الملم كأنه يتلو مرثية، ويذكر ما سيحل وما سيكون:
-سيأتي يوم يبدو أن مصر حافظت عبثاً على عبادتها للإله.
-سيأتي يوم تصبح كافة الابتهالات الورعة عقيمة بلا استجابة.
-سيأتي يوم تتغير فيه المعاني، وستنسب المضامين الباقية إلى غير أصحابها.
-سيأتي يوم يلعن فيه الأبناء ما آمن به الأجداد.
-تجليات الإله الخفي بكل ما حوته من أسماء وصور تصبح فرجه طرفة للعابرين.
-سيأتي يوم تختفي فيه الكتابة المقدسة تصبح مثل الألغاز وقد يفهم منها عكسها.
-يا من أدرك أبناؤك أن هذا الوجود ليس عبثاً، هناك خفي يحركه.
-يا من تنحدرون من أصلاب الذين أدركوا ذلك سيغيب عنكم هذا كله .. لن يبقى من الإيمان القديم سوى رواية متناثرة يكتنفها الغموض.
-النبوءة السابقة رويت بأكثر من صيغة... لا أحد يعرف ما سيجري خلال المجهول القادم لكن النبوءة تلمح للنهايات كم سيستغرق هذا - لا إجابة.
السؤال الذي يُطرح هل من سبيل للحفاظ على الحكمة إلى يوم ربما يدرك البعض ما كان؟
إذا كان الوجود مسميات فكيف يمكن استمرار الأسماء؟
لا توضح المدونات ما تم تداوله، وما تم بعد ذلك يشير إلى إمكانية بقاء أصول الحكمة في كافة العناصر .. إنها الأسماء، الاسم، إنه الرن.
عديدة إيماءات تلك الليلة لكنها تشير إلى الرّن.
7- إشارات الرن
من لا اسم له لا حضور له، من أتى بدودة القز إلى أخميم، أيهما أسبق الصين أمر أخميم، من علم القوم معالجة الشرائق ومد الخيوط ونسجها، عناصر كثيرة حالة فريدة تنشأ عند البطل بمجرد سماعه لفظ ((أخميم« لا تكون قوة الاسم من فراغ إنما تنشأ من ميراث بعضه خفي والآخر ظاهر من لا اسم له لا حضور له يراها مكتوبة في أوراق لا يمكن الإمساك بها لانتفاء وجودها أينما ذهب البطل تدركه، الخط الذي يطالعه يشبه كتابة عربية رغم غرابة الحرف ويتعجب من ظهور قلم الطير من خلال كافة الأشكال واللغات، وهو يتابع المصادر التي ذكرت أو ترجمت لذي النون، حيث أتقن لغة الطير كان يقف أمام الجدران ويشرح ما دوّن عليها، كان الناس حتى الخلفاء والملوك والأمراء على يقين أنه يمسك بأسرار الكنوز المخفية، قصده حكماء من كل مكان، لم يبخل عليهم بأسرارها، لم يشترط مقابلاً مادياً فقط يستيقن من صدق الرغبة وخلاص المنية والتطهر .. هل علم ذو النون بقلم الطير من نتاج تلك الليلة .. من لا اسم له لا وجود له.
كيف يوجد ما لا يوجد؟ وما ماهيته؟ ما وصفه إذا كان ممكناً؟ لكن كيف يحصر ما لا يوجد؟
لا يمكن تشكل الإناء لولا ما يحويه من الفراغ .. لابد من اللاشيء لتظهر الموجودات، أهذا مفروغ منه؟ ربما: نعم، وربما: لا.
يحدثنا البطل أنه مخلص للكينونة يسري من مجهول إلى مجهول، وهو يعتبر نفسه واحداً من تلك الجماعة التي اجتمعت تلك الليلة ويتخيل نفسه بينهم، ويبين أن الوعي بغياب الثوابت وفهم حركة المسار خير معين، وأفضى ما كان يأمله البعض صيانة بعضاً مما كان، يرى لحظة يقوم فيها الأحفاد بتدمير الشارات والعلامات تقربًا للإله نفسه، ويحدثنا أن أكثر ما يثير حزنه رؤية العابرين من الخلف، وما يزيد تأمله الوقوف عند الحدود الفاصلة آخر البر وأول البحر، تبدو التفاصيل ثم تختفي، مع كل ترحال يولي منا قدر، وليس للإنسان إلا ما سعى، يتساءل لماذا تحصيل المعارف والاجتهاد لمعرفة السر، تبدو الأشياء باقية إلا أنها لا تلبث أن تزول، يحدث ذلك عند فناء الأسماء، باختفائها أو تبدل مدلولها، يتخيل نفسه يحيي مجموعة الكهة ويقعد بينهم، ولا يعرف ما جال بخواطرهم، لكنه مُلم بحاله وأسباب سعيه، ويحكي عن رجل هرم دعاه للراحة، فأصر هو أن يمضي منفرداً، هذه الليلة استجد أمر لم يُعرف إلا من خلال المرويات القديمة جداً، ((على كل منا ألا يرجع من حيث جاء)) ((على كل منا أن يقصد جهة لم يرتب ذهابه إليها)) .. اضطرب البطل وسأل: إلى أين يا سيدنا؟
قال: وجه نفسك.
صعب بلوغ نقطة تنقطع فيها الصلة بما كان منا رغم أنه باق عندنا، وفي ذاكرتنا .. كيف ينقطع الإنسان عن نفسه.
يحدثنا البطل أنه يصير إلى غير المألوف يفارق الأسماء ذات المعاني إلى أخرى لم يعتدها، وليس بوسعه إلا الامتثال، وهنا يريد أن يورد نصاً يوضح ما حدث تلك الليلة في بيت الحياة الكبير مركز عبادة أوزير في أبيدوس، وفي ليلة أخرى مماثلة في زمن مغاير، هناك في الجزيرة المقدسة أقصى الجنوب، وكذلك الليلة الليلاء في مراقد الأبدية بالبر الغربي بعد خراب منازل ملايين السنين:
-من سمى الموجودات؟
-هل ثمة بداية للبداية؟
-إذا صح ذلك فلابد من نهاية إما متحققة أو مرجأة.
-هل توجد في حيز ما؟
-من صاغ أول الأسماء؟
-من أظهرها؟
-من دل عليها؟
-بأي لسان نطقت؟
-إذا انعدم نطق الحروف فكيف توجد الأشياء؟
-ما كنه الاسم؟
-أهو نطق؟ رسم؟ وصف؟ تجريد؟ تجسيد؟ ملمح؟ حد أم مطلق؟ إشارة أم تلميح؟ تعيين أم تمويه؟
-من؟
-ما اسمه إذن؟.
-من سمى المسمى؟
كل سؤال يفضي إلى آخر .. لو تم جلاء الأجوبة فماذا يبقى؟ ستنتهي الفروق سيصير أي شيء مثل أي شيء.
ويذكر البطل جدل قديم عمره أكثر من ثلاثة آلاف فيضان قال أهل الجنوب: إن واحداً بعينه توصل إلى تسمية بعض العناصر، الموجودات منها الظاهر، والذي لم يعرف بعد فلا وجود له، مستحيل الاطلاع على الأسماء كلها لو جرى ذلك تمّ المحو، اكتمالها هو فناؤها.
8- عدم
العدم اكتمال وكمال حيث كل شيء مثل أي شيء، تمام الأسماء يعني فناء الأسماء، ما يكتمل يرحل، من سمى الأسماء لا يظهرها، تركها خفية، تظهر لمن يعرفها، الخفاء الأول تام، لا يقدر على الإلغاء لا الأول والآخر، الخفاء الآخر يمكن للمخلوق إظهاره وكشفه شيئاً فشيئاً، الأول أتى بالأسماء من العدم، وجهد الإنسان يكون معرفة ما تم الإتيان به من العدم، معرفة الاسم شرط، ويضرب مثالاً بالمرض المرض اسم والعلاج اسم بتفاعلهما يكون الشفاء، والشفاء اسم كل اسم يؤدي للآخر إما تابعه أو نقيضه، من يمكنهم معرفة اسم الأول أو الاسم الأعظم، من يعرفه يتحكم في صيرورة الوجود ولابد أن يكون من الكاملين سيدنا ذو النون أحدهم.
مما نسب إلى حكماء الجنوب : كافة الموجودات أرسيت في القدم القديم كل ما تلا ذلك تفاصيل.
أهل الشمال قالوا: مستحيل معرفة من سمى الأسماء مستحيل الإحاطة به من قريب أو بعيد، كيف يمكن ذلك واسمه مجهول، خفي بلا اسم، من سمى الاسم اللا اسم. ليس معقولاً أن يسمى المسمّى: من سماه، من لا اسم له لا وجود له، كيف يوجد غير الموجود تلك الأمور المنظورة؟
تتلاشى الحدود تقترب من غير المعلوم، ما ورد في نصوص المتون مجرد تقديرات مجرد إشارات مجرد تلميح، إذا التحديد استحال فيجوز الرمز، ويتحدث البطل أنه يرى القوم الذين سعوا إلى المعرفة والوصول في أزمنة لم يشهدها ولن يدركها، وذلك عند الخلوة التي دامت ليلة تقرر فيها ما تقرر لمقاومة اندثار المعارف، جاء القوم إلى أقدس بقعة للإحاطة بالخلاصة، بعدها خرج كل منهم إلى جهة مغايرة لتلك التي جاء منها، وهو حال البطل نفسه، ويعنيه سعيه لتلك الليلة وفحص ما تم فيها، وتعقب أثره ومحاولة ما انتهوا إليه.
أخميم شرق النهر، أبيدوس غربه مثل مسقط رأس البطل جهينة التي تقع جهة الغرب محاذية لمثوى رأس أوزير حيث جرت تلك الحضرة اليلة، وهو يسعى إلى الحد إلى الخط الذي لا يرى الفاصل بين البر والبحر بين الحياة والموت بين لحظة ولت وأخرى موشكة على الحلول، والوادي تتضح فيه الحدود أوضح مما تكون في المعمورة كلها.
يتحدث البطل عن أن الحدود له فمنها جاء وإليها يمضي، ومع عبورها التمام، وكما ذكرأن الاكتمال عدم، فالحدود له، ولأخميم الغرب ولأبيدوس الشرق والتيه عن المحسوس، أما جهينة فلها صمت النخيل، لأخميم فورة العمل رائحة عرق البلح، ولأبيدوس وشوشه البخور، أما جهينة فلها رائحة الخبيز عند الظهيرة، لأخميم لون الخس الأخضر الخصب رمز الإله( مين )إله الخصوبة والذكورة لأبيدوس الأبيض كفن أوزير الأبيض عدم فناء بداية ونهاية، آخر وأول منه تبدأ لألوان لون لا موجود لكن لا تقوم قائمة للألوان دونه لجهينة لون السمسم في سائر تحولاته.
يتحدث البطل أنه صابر مفارقاً بين تلك المواضع صار أطول مكوث له في جهينة ثم أخميم ثم أبيدوس لكن إقامته في أبيدوس، الأبعد مدى والأشد استغراقاً، وبعد الأماكن الثلاثة ينجذب إلى الضفة الغربية للأقصر، ولذلك صلة بتلك الليلة التي عرفها مما تلقاه عن سيدنا ذي النون.
يتحدث البطل أنه مما توصل إليه القوم أنه يوجد في كل حقبة نفر يحسبهم سبعة كما لهذا العدد من أسرار هؤلاء النفر يعرف كل منهم أمراً أو أموراً من المضامين التي صالحت الإنسان على الوجود، ومكنته من اكتشاف الطريق إلى الأبدية، ومعرفة بعض جواهر الأمور ومن ذلك: الدائرة، المثلث، الخط، النقطة، المدخل، الدهليز، التدرج، إمكانية التشكل، دلالات الحرف، دقائق الاختلاف، مغزى كل بادرة، كل حركة، المعنى الكامن، الهسيس الخفي، الشفرات المضمرة، حركة الرياح، ترعرع الزرع، وليست من الضروري معرفة كل منهم الآخر، وربما يجهل كل واحد منهم ما يقوم به، ومن المؤكد أنه يجهل صعوده في الدرجات، وهؤلاء موجودون في كل زمان ومكان، ومعظمهم مجهول، قلائل من يمكن الإشارة إليهم، والبطل يثق في هوية اثنين أحدهما سيده ذي النون، والآخر لن يفصح عنه، وسيلمح إلى نفر منهم، سيذكر البعض ويحجب البعض وفق مقتضى الحال، كل ذلك منبثق من تلك الليلة وما سبقها من تدبير.
9- عابرون
يمشي البطل بين جهينة وأخميم وبين أخميم وأبيدوس، ويشعر أنه يمشي تحت خيمة وأن شيئاً ما يظله، وهو يمر على البلينا ولم يتوقف فيها إلا قدر تغيير المواصلة، وهي أول مرة يمضي إلى أبيدوس دون تحديد لوقت أو مكان يتجه إليه بالتحديد، وهو لم يخبر أحد حتى أقرب الأقارب بحد سعيه ووقته، وهو يمضي إلى ما لا يعرف كي يعرف، ويشعر أن ما يمضي عنه لن يعود إليه مثل الزمان ما يفوتنا لا ندركه.
عزم البطل على بلوغ قصده مشياً، وعندما سافر إلى بلاد المغرب قصد زيارة الرجال السبعة، خصص لكل واحد منهم يومًا رافقه صاحب عرفة على البعد، سيده حبيب السمرقندي المراكشي مولدًا الفرنسي إقامة، والبطل يعرف أنه لن يراه مرة أخرى لا هو ولا من عرفهم، ولذلك يستدعيهم بالخاطرة، كان مشتاقاً لرؤية مقام سيده الجزولي، والد سيده حبيب خادمه، وكذلك سيده أبي العباس السبتي، كان الحبيب يترجل قبل المقام ويقول: إن المباركين لهم آداب يجب اتباعها سواء كانوا أحياء أم أمواتاً، وهكذا كان البطل يفعل وهو يقترب من أبيدوس، يتحدث عن خروجه لم يودعه أحد ولا ينتظره أحد، كان مفردًا، وهو يسعى مستفسراً عما لا يفهم، وهو يسعى وقد استوى عنده كل شيء ولم يعد يخاف من أي شيء أو يحسب حساب لأي شيء ينام في أي مكان لا يخشى رجل أمن أو وحش أو ظلمه، يشعر بانعدام الرغبة في النزوح أو الشروح، هذا ما سيوقف الوحوش فلا تهاجمه، وأخبره بذلك سيده مصطفى سليطن نزيل أغمات والذي فارق خلوته التي لم يفارقها أربعين سنة حيث زاره عند قدومه لم راكش، مضى البطل إليه بصحبة حبيب السمرقندي، وفي المرة الثانية عندما أخبروه برغبة البطل في طلوع جبل أطلس إليه أبي، فاجأ القوم بقوله: سأذهب إليه، وجرت بين البطل وبينه تواصل معه يومًا كاملاً من الصباح إلى المغيب ودهش القوم من انهائه العزلة من أجل البطل، وكان العجب أعمق عندما قال للبطل على مسمع من الجميع: ادع لي.
يرد البطل: أنا يا سيدنا أنا الخطاء أدعو لك؟
-يشير مصطفى سليطن بسبابته حتى يكاد يلمس صدر البطل ويقول: أنت من المنكسرة قلوبهم دعاؤك مستحاب.
حكى للبطل عن من ساحوا في البرية ولزموا الأقاصي لأن دواخلهم رست وسكنت، فلم يقربهم أعتى الوحوش كل ذلك جعل البطل يتمهل في دخول أبيدوس ليلاً، ويأوي إلى ساقية قديمة غير عابئ بكل المخاوف والأخطار التي تملأ هذه الأماكن ليلاً، مع الصباح أكمل المسير إلى أبيدوس أو العرابة المدفونة، ولم يثر ظهور الغرباء الدهشة لكثرة الغرباء من مغاربه ومن غجر، أو رهبان سائحون، أو الدراويش الهائمون، أو القاصدون إلى زيارة الأولياء، الناس يحتفون بالغرباء ويؤدون واجب الضيافة، وبعد مشاكل الشرطة مع الجماعات الإسلامية بدأ الفحص والتدقيق خصوصاً عند المنافذ، ولأن البطل تردد على المكان كثيراً والناس تعرفه أبعد ذلك عنه الفضول والغلاسة، وقد شبهه البعض بأم سيتي يحدثنا عن زنجي ظهر فجأة قادمًا من الجبانة، سواده أغمق من الهجانة الذين كانوا يؤذون الناس، لغته غريبة غير الهجانة، لا يعرف سره إلا مصطفى الجمال، ويدرك أنه يقصد مكة من بلاد أعالي النيل وأنه مسافر من خمس سنوات ويطلب أن يرتاح ليلتين ويكمل المسير إلى الحج الذي نوى أن يسعى إليه مشياً ووحده.
يتحدث عن أحد العلماء من قوص حاول أن يترجم فيها لأحوال الذين ظهروا فجأة قادمين عبر الصحراء أو الجبال الشرقية فلم يستطع، فأعداد العابرين تفوق المقيمين وهذا عجيب ولم يستطع البطل أن يرى ما دوّن هذا العالم رغم أنه لم يكمل عمله، في الطريق للمعبد رأى البطل خالداً كان يعرف بقدومه رغم أنه لم يخطر مخلوقاً بقدومه، تعرف البطل على خالد عند زيارته أبيدوس من فترة شعر وكأنه ناداه باسمه وسرت بينهما مودة وعندما عاد إلى القاهرة داوم خالد على الاتصال بالبطل، ولم يسأل خالد البطل عن تبدل أحواله ولم يبد دهشة، وكأنه توقع ذلك أو أخبر به، لقد قامت بين البطل وخالد مودة واتصلت أسباب لا يدري منشأها، لم يتحمل له هذه المرة زيارة، ولم يبد اعتذاراً كل ما يحمله البطل كيساً من بلاستيك فيه غيار داخلي، وكسر خبر، أصر خالد أن ينزل عنده فرفض البطل حتى لا يتقيد بشيء، فقدوم البطل هذه المرة لم يكن كالمرات السابقة ينفق عن سعة ينزل في أفضل غرف الفندق لكن حاله هذه المرة يماثل حال الغرباء الذين ظهروا فجأة من الصحراء، فالفرق بين البطل وبين من أرادوا الزيارة أن أسبابه ودوافعه غامضة.
10-أم سيتي
لم يعرفها البطل، خالد لفت نظره أنه يشبهها تجتاز البوابة مثله وبالطريقة نفسها، سأل البطل خالداً عنها، من هي ومن أين؟
لم يذكرها خالد للبطل مباشرة، إنما تحدث عن الغجرية، وما يزال أهل الناحية يقصون ما جرى منها، ظهورها الغامض وابتعادها إنها المدخل لمعرفة حكاية أم سيتي، وجد البطل نسخة من كتاب عثر عليه بالصدفة يترجم لأم سيتي وبين كلام خالد والعثور على الكتاب أسبوعين ربما تكون صدفة.
يحكي البطل عن الغجرية وما يفعله الغجر في البلاد التي يمرون بها، إلا أن هذه الغجرية تخلفت ولزمت رأس الجسر، البعض يقول أن لها زوجًا وطفلاً فارقتهما، هناك رسالة جاءتها في رؤية ليلية أبلغتها إليها جدتها ويجب أن تبقى لتبلغها إلى المقصود بها، لم يكن خالد يعرف لها اسمًا، ويحكي عن حالها مع من يأتي إليها من الرجال، لم تكن تعلم متى تأتي البشارة وتؤدي الرسالة، لا تدري ما سيحل بها بعد أداء الرسالة، وقد أبعد أهلها، يحكي خالداً عن تطلعها للجميع وبعد قدوم أم سيتي بسنة استيقظت فجراً وذهبت إلى خص الغجرية وخرجت بعد عشر دقائق، وأعطت ظهرها للخص وبدأ تسلقها الأفق، وفوجئ الجميع بأن الخص فارغ، وخرج ثلاثة يبحثون عنها يسمونهم الأخوة الغائبين.
خالد لا يعرف هل أم سيتي هي المقصودة بالرسالة أم لا.
حاول البطل أن يعرف أي شيء من الذين كانت لهم علاقة بالغجرية فلم يجد أحدًا أو معلومة أفضوا بها.
11- خلع النعلين
البطل يعرف أنه لن يعرف لكنه لا يكف عن البحث، ولم يكتف بما قاله خالد عن أم سيتي فالبلدة تعودت على الغرباء وهو يتعجب من إعجابهم بأبيدوس، ولفت نظر البطل أن أم سيتي تخلع نعليها قبل أن تتجاوز الحاجز الخارجي المؤدي لساحة المعبد الأساسية ويحدثنا عن كتاب وجده صدفة في مكتبة بوسط البلدة يتحدث الكتاب عن أم سيتي، وهاني الزيني الذي طبع الكتاب، وكيف أنه قرأوه بدقة، كان يأخذ الكتاب معه وهو يزور أبيدوس في مرات سابقة، أخبره خالد أن الجميع يعرف أن هاني الزيني وثيق الصلة بأم سيتي هذه الإنجليزية التي تعلقت بأبيدوس ولزمتها ودرست كل صغيرة وكبيرة فيها، ولكن لم يره أحد، وأخبره أن هناك كتاباً آخر ألفه إنجليزي بالتعاون مع هاني الزيني، وقد أحضر للبطل نسخة بعد أن أجرى عملية جراحية ساعده البطل في إجرائها رغم عدم وجود مال لعملية كبرى في القلب، لكن البطل يعرف الدكتور جلال السعيد، وأنه سيجري له الجراحة بالمجان، ويحدثنا عن إجراء العملية لخالد، وأنه زاره في القاهرة، وأنه أحضر له هدية عيش شمسي وفايش، ويحدثنا عن صناعة العيش الشمسي، وكيف أن هذه الأرغفة تعد من الآثار الموجودة في متحف تورينو، ومع الهدية الكتاب الثاني لأم سيتي الذي وضعه (جوناثان كرت) مع هاني الزيني، الكتاب يبحث عن سر أم سيتي التي ولدت عام 1904م، يتحدث الكاتب عن أنه لم يكتف بما عرف: فرواية خالد تعتبر أم سيتي مجرد عابرة من العابرات عشقت المكان، وكتاب أم سيتي عن المعبد يقول إنها باحثة متعمقة في علم المصريات، والكتاب الذي يبحث في سرها يقول أنها صدقت أنها عاشت خادمة للمعبد منذ ثلاثة آلاف عام، وأنها سعت إلى المكان الذي عرفها من قبل، والبطل لديه شعور داخلي أن هناك ما يربط بين ذي النون، وأم سيتي، وخالد، والشيخ الطيب، والخطيب صانع الحديد، والأستاذ الفرنسي المتخصص في العطور المصرية، وعم محمد النوبي المتقن لتراكيبها، والشيخ صالح الجعفري وغيرهم كثير ثمة شيء لا يدرك بالوعي لكن يمكن معرفته عن بعد اكتمل وبدأ منذ تلك الليلة التي اجتمع فيها خدام الآلهة في أبيدوس، شيء لن يستوعبه البطل مرة واحدة، وأنه يكتمل مع مواصلته البحث والسعي بذلك لم يبق كثيراً في أبيدوس وشعر بوجوب مواصلة السعي والبحثِ.
12- لواح رن
يغادر البطل أبيدوس فجراً متجهًا إلى الجنوب، ويؤكد أن كل ما خرج منه لن يعود إليه رغم أنه كان يلجأ لأبيدوس دائمًا عند الضيق، يقول لنا أنه لن يفعل كما تفعل أم سيتي ولن يؤدي أي طقوس في المعبد، ولن يتأمل أي شيء فيه، يقول لنا: إن كل خطوة مؤدية إلى شيء يجهله، ولا يمكنه توقعه، كل خطوة بداية، وعندما تفضي بداية إلى بداية فإنها النهاية، وما يحزنه سرعة انقضاء الوقت، وما توقعه بعيدًا فاته الآن، ومن أنجبهما طال سعيهما ومضى كل إلى حاله، وهو يدعو لهما، وبمجرد ذكر الاسم تتجسد معالم وملامح .. يمضي إلى البر الغربي
يتبع إن شاء الله
................................
صالح شرف الدين

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016