نكمل حديثنا عن هذا الربيع الايماني العظيم الذي
يأتينا كل عام مرة وهو شهر رمضان المعظم وكيف أنه ربيع حقيقي ينبغي على المسلم
العاقل اللبيب أن يغتنمه اغتناما عظيما.
اليوم ان شاء الله تعالى نحن على موعد مع المعالم
العظيمة التي يرسيها لنا رمضان والأسس والقواعد التي يوجدها وينشأها رمضان في
العبد المسلم.
أول هذه المعالم هي تفعيل قاعدة "سمعنا
وأطعنا" تلك القاعدة الجليلة التي تصف حال المؤمن مع ربه وتوضح له كيف يتلقى
أوامر ربه عز وجل سواءا في القرآن أو على لسان نبيه العدنان صلى الله عليه وسلم.
يقرر الله عز وجل هذه الحقيقة في قوله تعالى:
" وقالوا سمعنا وأطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير"
يصف المولى عز وجل حال المؤمنين الفعلي والقولي
بأنهم متمسكون بأوامر الله عز وجل ويطيعون الله سبحانه في أوامره.
" سمعنا
" قول ربنا وأمره إيانا بما أمرنا به، ونهيه عما نهانا عنه " وأطعنا
" يعني: أطعنا ربنا فيما ألزمنا من فرائضه، واستعبدنا به من طاعته، وسلمنا له
وقوله: " غفرانك ربنا " يعني: وقالوا: " غفرانك ربنا " بمعنى:
اغفر لنا ربنا غفرانك "فالمسلم يصوم امتثالا لأوامر الله عز وجل ويمتنع عن
المباح والحلال أيضا لأن الله عز وجل أمره بذلك.
ثاني المعالم التي يرسيها لنا رمضان هي الالتصاق
بالمنهج الرباني، بالقرآن وجعل هذا القرآن حاكما أعلى لكل سلوكيات المسلم. بمعنى
آخر تكون المرجعية والحاكمية لكتاب الله عز وجل في حياة المسلم على مستوى الأفراد
ثم على مستوى المجتمع.
أكد النبي صلى الله عليه وسلم على هذه القاعدة
الجليلة:
"عن عبد الله بن عباس رضي الله عنهما قال:
" كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس، وكان أجود ما يكون في رمضان حين
يلقاه جبريل، وكان يلقاه في كل ليلة من رمضان فيدارسه القرآن، فلرسول الله صلى الله
عليه وسلم أجود بالخير من الريح المرسلة ". رواه البخاري.
انظر الى حاله عليه الصلاة والسلام كان جوادا وكان
أكثر ما يكون من الجود في رمضان لماذا؟ لالتصاقه بالقرآن ومدارسته له مع معلمه
جبريل عليه السلام.
فيعرض عليه القرآن كاملا فينشط النبي عليه الصلاة
والسلام للعبادة والطاعة بسب أنه فرغ شغله للقرآن.
قاعدة عظيمة جليلة حبذا لو تعلمناها ووعيناها
وجعلناها منهاجا لأقوالنا وأفعالنا.
ثالث هذه المعالم والمعاني التي يؤكدها لنا رمضان هي
خلق "مراقبة الله" عز وجل. هذا الخلق الحميد العظيم الذي اهتم القرآن
بتأصيله اهتماما كبيرا حتى إن المتتبع لآيات القرآن يجدها تأصيلا لهذا الخلق.
يقول الله سبحانه:
"ياأيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة
وخلق منها زوجها وبث منهما رجالا كثيرا ونساء واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام
إن الله كان عليكم رقيبا."
وهاهو نبينا عليه الصلاة والسلام يبرز هذا الخلق
جليا ويجعله في مرتبة عليا من مراتب الدين فوق الإسلام والايمان:
فإن نبينا صلى الله عليه وسلم ذكر تعريف الإحسان بقوله:
«أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
هذا الخلق العظيم له أكبر الأثر على العبد المسلم
فهو يورثه الايمان الحقيقي بالله سبحانه وتعالى ويبعده عن معصية الله سبحانه
وتعالى كما في حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله فو تتبعت سبب تبوأهم لهذه
المنزلة لوجدت أن القاسم المشترك هو خلق المراقبة.
كما يورث هذا الخلق المسلم الجنة ويجعله من أهلها
كما قال الله عز وجل:
"إِنَّ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ
لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ كَبِيرٌ"
وأخر هذه المعالم الرمضانية التي يرسيها لنا رمضان
هو تحقيق الأخوة الايمانية الحقيقية فالمسلم أخو المسلم وله عليه حقوق وعليه
واجبات فيأتي رمضان ليؤكد على هذه الرابطة الايمانية ويؤكد أن المسلمين أمة واحدة
يبدأون صيامهم معا وينهونه معا. ويعطف الأغنياء على الفقراء ويساعدونهم.
إنها اللحمة الواحدة التي ذكرها الله سبحانه وتعالى
في قوله:
"إنما المؤمنون إخوة"
ووصفها النبي صلى الله عليه وسلم بقوله:
" مَثَلُ المؤمنين في تَوَادِّهم وتراحُمهم وتعاطُفهم:
مثلُ الجسد، إِذا اشتكى منه عضو: تَدَاعَى له سائرُ الجسد بالسَّهَرِ والحُمِّى))
أخرجه البخاري ومسلم عن النعمان بن بشير.
هذه بعض معالم رمضان للذكرى لعل الله ينفع بها
المؤمنين.
وللحديث بقية ان شاء الله.
…………………
هاني حسبو