أستأذنك أيها القارئ أن أستعير عنوان المقالة من
مقالة قديمة للأستاذ حسن البنا رحمه الله كتبها بجريدة الإخوان المسلمين في 16
مايو 1948.
بداية أنقل لك عزيزي القارئ هذا الخبر المنشور
بعدة صحف:
"قال وزير الأوقاف، الدكتور محمد مختار جمعة،
إن دعوة الجبهة السلفية للخروج في 28 نوفمبر الحالي، رافعين المصاحف، هوجاء ودعوة خوارج
وضد الوطن والدين ودعوة للقتل أو الثورة، مضيفا أنه مخطط وعمالة وخيانة للشعب، وأن
المصريين قادرون على فضحها."
وحتى لا نتجنى على الرجل فيبدو أنه قد أدرك أنه
قد وقع في خطأ قد يكلفه كثيرا فهذا تتمة الخبر:
"أكد الوزير، في مؤتمر صحفي، الإثنين، أن دعوى
رفع المصاحف تحت مسميات سياسية أو حزبية هوجاء، ووصفها بأنها ليس لها أي وجود فعلي،
ولكنها أقرب للحرب النفسية وإثارة الشباب أو حمل رسائل سياسية، موضحا أن الداعين لها
مخربون ويرغبون في تشتيت الشعب"
نحاول أن نفهم الحرب على المصحف ولماذا انزعج
الوزير من دعوى رفع المصاحف.
بداية لابد للمسلم أن يعي حقيقة هامة جدا الا
وهي أن هذا المصحف الذي بين يديه هو للتحكيم والتطبيق لا للقراءة فقط وان كان
للقراءة ثواب عظيم. أكد الله سبحانه وتعالى على هذا المعنى بقوله:
"﴿ إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ
بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللهُ وَلاَ تَكُنْ لِّلْخَائِنِينَ
خَصِيمًا ﴾[النساء: 10]
"﴿ وَأَنِ احْكُم بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ
اللهُ وَلاَ تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَن يَفْتِنُوكَ عَن بَعْضِ مَا
أَنْزَلَ اللهُ إِلَيْكَ فَإِن تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللهُ أَن يُصِيبَهُمْ
بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ*أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ
يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللهِ حُكْمًا لِّقَوْمٍ يُوقِنُونَ ﴾[المائدة:
49-50]
﴿ إِنَّمَا كَانَ قَوْلَ الْمُؤْمِنِينَ إِذَا دُعُوا
إِلَى اللهِ وَرَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ أَن يَقُولُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا
وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ ﴾[النور: 51].
آيات واضحات لا تحتاج لتأويل ولا لأخذها على غير
معناها.
لذلك يخاف فضيلة الدكتور وزير الأوقاف من رفع
المصحف لأن رفع المصاحف يستوجب تحكيمه ومن ثم يستوجب محاكمته على ما فعل في بيوت
الله التي أغلقت في وجه المصلين.
تحكيم الكتاب يستوجب أن يحاسب الوزير على جنايته
في حق الدعوة ورجالها فكم من خطيب كان يعتلي منبره ويعظ الناس ويعلمهم دينهم أُخذ
منه منبره وأُقصي عن الدعوة.
هذا غيض من فيض مما فعله الرجل ومما جنته يداه
ونحن هنا لسنا في مجال محاكمة الرجل أو اصدار الأحكام عليه ولكن لبيان ما فعل
الرجل في حق الدعوة والإسلام لنعلم لماذا يخاف من تحكيم المصحف.
إذا أردت أخي القارئ ان تتعرف على طبيعة
"معركة المصحف" في كل عصر ومصر ليس في عصرنا الحالي فقط فانظر إلى هذه
الآية العظيمة التي يقول الله فيها:
"ولقد بعثنا في كل أمة رسولا أن اعبدوا الله
واجتنبوا الطاغوت فمنهم من هدى الله ومنهم من حقت عليه الضلالة فسيروا في الأرض فانظروا
كيف كان عاقبة المكذبين"
يقول مناع القطان في كتابه وجوب تحكيم الشريعة
الاسلامية بعدما ذكر هذه الآية:
"وهذه المقابلة تعني أن الانسان لا يخرج عن
خضوعه لله وطاعته له الا الى الخضوع للسلطة الأخرى المعتدية على حق الله في
العبادة والتي يعبر عنها بالطاغوت سواء أكان هذا الخضوع للأهواء والشهوات أم لسلطة
تشريعية ممثلة للأمة، أم لحاكم مستبد متسلط، فكل ذي طغيان على الله في حقوقه على
عباده ينقاد الناس له طاغوت. وبهذا يكون الحكم بغير ما أنزل الله طاغوتا، ويكون
الحاكم الذي يحكم بغير ما أنزل الله طاغوتا، ويكون الخضوع لهذا الحاكم أو لذلك
الحكم عبادة للطاغوت."
يتضح من هذا أن معركة المصحف لها طرفان رئيسان
الأول: الطرف المنادي والمطالب بتحكيم المصحف والثاني الطرف المنادي بتحكيم
الطاغوت.
هكذا بكل وضوح تتضح طبيعة المعركة وتفاصيلها.
ولكي تتضح معالم المعركة أكثر وأكثر أنقل لك عزيزي
القارئ هذه الحادثة التي حدثت وانا اكتب هذا المقال وهي:
"ارتقى اليوم الأستاذ الدكتور "طارق الغندور"
-شهيدا-داخل المعتقل، بعد تدهور حالته الصحية بشكل كبير خلال الايام الماضية.
وقد تم حرمانه من العلاج وتعنتت إدارة سجن
"شبين الكوم" في نقله لمستشفى معهد الكبد في شبين الكوم يتلقى فيها العناية
التي تناسب ظرفه الصحي كمريض للكبد، إلا بعد أن ساءت حالته الصحية بشكل كبير.
وأفاد مصدر مقرب من الشهيد أنه ظل ينزف بالأمس 6
ساعات دون أن يتمكن الفريق الطبي بالمستشفى من انقاذه، الأمر الذي أدى لاستشهاده رحمه
الله.
يذكر أن الشهيد قد اعتقل من منزله يوم 18 ديسمبر
2013 ووجهت له تهمة الانتماء لجماعة
إرهابية."
والأستاذ الدكتور “طارق الغندور” العالم المصري المعروف
وأستاذ الجلدية بكلية الطب جامعة عين شمس، أشرف على أكثر من 100 رسالة ماجستير ودكتوراه
وبحث علمي، وله العديد من المؤلفات في مجال الأمراض الجلدية والعقم، حفظ القرآن الكريم
وحصل على العديد من الدرجات العلمية في الدراسات الإسلامية.
انظر الى اشتعال المعركة وقتل أحد حفظة القرآن
لا لشيء الا لأنه يحفظ كتاب الله.
يقتل الرجل ويظل ينزف وفنانة مرموقة تعالج
بمستشفيات القوات المسلحة وتلقى الرعاية الكاملة ومع هذا تهلك لأن قضاء الله ينفذ
في كل الأحوال.
حقا إنها معركة المصحف.
يكرم أهل الأهواء ويقتل الشرفاء.
في مثل هذه المعارك يجب أن يسأل المسلم نفسه إلى
أي الفريقين أنتسب وإلى أي الفريقين أنتمي؟
اسمع يرحمني الله واياك الى هذا المقطع من مقالة
للدكتور ناصر العمر حفظه الله يصف فيه حال المستجيبين لشرع الله وحال المعرضين عنه
فيقول:
"إن الأمر جد وليس بالهزل، وقد حذر ربنا عز
وجل نبيه عليه السلام من أمثال هؤلاء وما يدعون إليه فقال عز من قائل: {وَأَنِ احْكُمْ
بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ
يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ
أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا
مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (49) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ
مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ} [المائدة: 49،50].
لقد تكفل الله عز وجل لمن تبع شرعه المنزل على رسله
بالهداية وسعادة الدارين، قال تعالى: {فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ
اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى} [طه: 123]، قال ابن عاشور رحمه الله:
(معناه: أنه إذا اتبع الهُدى الوارد من الله على لسان رسله سَلِم من أن يعتريه شيء
من ضلال ... أي فلا يعتريه ضلال في الدنيا، بخلاف من اتبع ما فيه هدى وارد من غير الله
فإنه وإن استفاد هدى في بعض الأحوال لا يسلم من الوقوع في الضلال في أحْوال أخرى. وهذا
حال متبعي الشرائع غير الإلهية وهي الشرائع الوضعية فإن واضعيها وإن أفرغوا جهودهم
في تطلب الحق لا يسلمون من الوقوع في ضلالات بسبب غَفلات، أو تعارض أدلة، أو انفعال
بعادات مستقرة، أو مصانعة لرؤساء أو أمم رأوا أن من المصلحة طلبَ مرضاتهم ... والشقاء
المنفي في قوله {ولا يشقى} هو شقاء الآخرة لأنه إذا سلم من الضلال في الدنيا سلم من
الشقاء في الآخرة)، وقال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً
ضَنْكًا} [طه: 124]، أي معيشة ضيق وشقاء، وإن كان صاحبها من أهل المال والنعيم المادي،
قال ابن كثير رحمه الله: (أي: في الدنيا، فلا طمأنينة له، ولا انشراح لصدره، بل صدره
ضيق حَرَج لضلاله، وإن تَنَعَّم ظاهره، ولبس ما شاء وأكل ما شاء، وسكن حيث شاء، فإن
قلبه ما لم يخلص إلى اليقين والهدى، فهو في قلق وحيرة وشك، فلا يزال في ريبة يتردد.
فهذا من ضنك المعيشة)
لقد سارت كثير من بلاد المسلمين على طريق تحكيم القوانين
الوضعية رويداً رويداً حتى انهارت بسبب ذلك، ولم يعد يوجد فيها من الإسلام إلا مظاهره
التعبدية، ثم حاقت بها الأزمات والابتلاءات والمشكلات، مصداقاً لما سبق في الآيات الكريمة،
وقد قيل قديماً: الشقي من وعظ بنفسه، والسعيد من وعِظ بغيره، فهل من مدكر؟"
الان تتضح معالم المعركة وأطرافها فهل من مشمر
لتحكيم المصحف والوقوف في المعركة بجانب أهل القرآن الذين هم أهل الله وخاصته؟