مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

من أيّ افقٍ يجيءُ الضّجَر ...بقلم الأستاذ الرائع / صالح أحمد




 

حينَ تمتلئُ عيناكَ بسحابةٍ عابِرةٍ من دخانٍ وَطين..
حين تصبحُ نجومُ السَّماءِ عيونًا بلا أجفان..
لا دَمعَ فيها...
وتَرى العواطِفَ موّالاً مجروحًا يتهشّمُ عندَ حدودِهِ الحلم..
يَتَهاوى عندَ أقدامِهِ أفقُ التّخيُّل...
تبصرُ الخيطَ الرّفيعَ المُسمّى حياة؛
مشدودًا إلى جبالٍ من رَماد..
أو إلى أمواجٍ تعلو فوقَ ذاتِها...
وفوق علُوِّها ساعاتٌ سَقَطَت رقّاصاتُها...
نجومٌ غادَرَتها هالاتُها..
مداراتٌ آيلةٌ للتَّذاوي...
صهيلُ خيولٍ يَتَلاشى...
يُعيدُ الصّدى لصوتِ الحُطام..
ما يلبثُ أن يصيرَ طاغيةً على عَرشِ الذّكريات..
تأوي اليَماماتُ إلى مَواطِئِ أقدامِها..
الغَزالاتُ تخلَعُ خَجَلَها؛ تحتَ وطأةِ البحثِ عن رجُلٍ رشيد!
النّهارُ جسدٌ مُنهَكٌ؛ بلا لِهاث!
والبقايا حقائبُ مُعَرّاتٌ مِن زَخَمِها..
الوقتُ رقّاصٌ مبهِرٌ هنا..
يدورُ في مِرآتِه...
مرآتُهُ من طينٍ لازِب..
يُعرّيها في جلالِه المَطَر..
يرسمُها خطوطًا تستعيرُ مَلامِحَها من لَمَعانِ الحَصى...
ترتعشُ اليَماماتُ؛ تدور، تَبحثُ عَن مَواطِئِ أقدامِها..
والبحرُ تَحتَ أصابِعِها يَشتَعِل.
تَنحَبِكُ الرّعشَةُ:
وطَنًا هنا، حدودًا هناك، حصاةً تلوح...
وبَرِقَ البَصَر، وخَسَفَ القَمَر..
حصاةٌ تلوحُ ..
ألا لا وَزَر..
من أيِّ أفقٍ يجيءُ الضّجر؟
وُلِدتَ وروحُكُ لم تاتِ بعدُ..
فأينَ أويتَ بعيدًا؟
أينَ اقتادَكَ صوتُ ارتِعاشِك؟
أين منكَ يكونُ المَفَر؟
من أي بحرٍ يَهُبُّ الأثر؟
عيونُكَ أفلَتَ منها النّهارُ..
وصوتُكَ يشعُرُ حُزنَ المَرايا..
نجومًا تبرّأَ منها السّكون..
خريفًا يُعلِّقُ حزنَكَ لوَنًا، يُلائِمُ صيفًا ضَلَّ بعيدًا..
ففي أيِّ فصلٍ ستأوي إليكَ كفي...
ثمّ لا تعودُ إليَّ هباءً ؟
تتشامَخُ الأغصانُ قبلَ مجيءِ الرّيح..
وقبل أن تُعوِلَ الحياةُ فوق جُثَثِ الأشياءِ المُتَساقِطَة..
هل يَمنَحُني دَمعُ العابرينَ حياة؟
صاحَ الطّينُ المَروِيُّ بنُثارِ حَكايا الباكين.
والعذرُ يمضي!
واللآنَ فينا يُشفِقُ!
ينشَطُ التَّقويم:
لحظةٌ... تنسلُّ إلى الغايةِ؛ تصطَبِغُ بريقًا
هجعةٌ... تنسلُّ إلى الفزعِ؛ يرتاعُ غريقًا
لمحةٌ... تنسلُّ إلى الشَّهقةِ؛ ترتَدُّ حديثًا
لوعةٌ... تنسلُّ إلى الحسرةِ؛ تتناسلُ خوفًا
رحلةٌ... تنسلُّ إلى الزّحفةِ؛ تنداحُ غُروبًا
ذريعةٌ... تنسلُّ إلى العذرِ؛ تتوالَدُ أسبابٌ:
قبلاتٌ، نظراتُ مواساةٍ، عبراتٌ، أشواق...
تنبتُ فوقَ جَبينِ الآن..
أمنيةٌ شاحبةُ العُمر..
تترُكُني أصفَرُّ... وتمضي!
يا... يا زمانَ الوصلِ، ما أصلُ الحِكاية؟
في لحظاتِ وجدٍ؛
كيفَ يتسنّى لقلبٍ يعشَقُ الطّينَ أن يُدرِكَ أنّ للموتِ ربيعًا...
فيه تلتئِمُ العَناصر!
تمنحُنا المواسمُ سرَّها؛ فَنُدرِك:
كم مِثقالًا من المهارةِ يكمُنُ في تَهاوينا؟
وحينَ يُحيلُنا الوجعُ إلى ناقوسٍ مَلَّتهُ الذّاكرة؟
هكذا تصبِحُ نهاراتُنا لَحَظاتٍ هاربةً من وَعيِنا
وليالينا نوافِذَ لِمَلجَأٍ فرّت منهُ صفاتُنا
وَفَرَّ الطّريقُ... وَفَرَّ ضميرُ المُحاولَة...
أبِمَحضِ الصُّدفَةِ باتَ كلُّ شيءٍ فينا يتعرّى هنا؟:
"الرّملُ، والرّيحُ، والذّاكرةُ المثقَلَةُ، والحكاياتُ الجريئة، والعيونُ التي وُلِدَت بلا جفونها.."
وحدَهُ الهَلَعُ يَرشَحُ من خطواتِ الآوي إلى عُريِهِ
يُصغي إلى تلاطُمِ الأمواجِ التي لم يُنجِبها أب...
ولم يَحضُنها صَدر..
وإلى رمالٍ تزحفُ بعيدًا عن أمّها ..
وإلى أرواحٍ تَئِنُّ في ظلّ الضّباب..
تذبلُ الرّوحُ؛ حينَ يذبُلُ الموجُ الذي كانَ إنسانا..
تنامُ الطّفولةُ نومَها الأبديّ..
حينَ ينساها الآنُ من عيدِ الصّيرورَة..
وتسكُنُها الرّوحُ كثيفةَ الأحزان!
وتظلُّ تتصارَعُ ظلالُها... آثارُها فينا ..
تستيقظُ مرايا نُفوسِنا
تترُكُنا نبحثُ عنّا! في كثافةِ انعِدامِ الضّوءِ في حَياتِنا!
أمسِ؛ مِتنا قبلَ أنْ تَحفَلَ بنا الأساطير.
الآنَ؛ متنا قبلَ أن نُبصرَ آثرًا لَنا في الأساطير.
غدًا؛ سنموتُ قبل أن نَرتَوي من عَطَشِ الوَداعِ المؤثِّرِ على أبوابِ الأساطير...
السيفُ في غمدِه.
صاحَت لحظةٌ شرّدَتْنا بها..
وَحدَها الصُّدفَةُ تومِضُ فوقَ رؤوسِ العابِرين.
يسقُطُ الرّجا مِن ساعَتِه..
حينَ يَلُفُّ الصّمتُ وُجوهًا تَضِجُّ تحتَ أرديَةِ الإثم..
سآوي إلى وجَعٍ... قال الهارِبُ من عَتمَتِه!
أُلملِمُ وَمَضاتِ الضّوءِ مِن جَمرِ ذاتي..
مُنصهِرًا...
في إشراقَةِ عِشقٍ..
في رَعشَةِ ميلاد..

.................

صالح أحمد

 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016