دَعْ عَنْكَ وَصْلَ لَمَى وَنَأْيَ سُعَادِ
لِلضَّادِ عِشْقٌ فَالِقُ الْأَكْبَادِ
لَوْ لَمْ تَكُنْ عَرَبِيَّتِي هِيَ لَهْجَتِي
لَوَدِدْتُ أَنِّي مِنْ صَمِيمِ إِيَادِ
كُلُّ اللُّغَاتِ تَلَعْثَمَتْ بِحُرُوفِهَا
وَالضَّادُ تُفْصِحُ عَنْ دَفِينِ مُرَادِي
اخْتَارَهَا رَبِّي لِآيِ كِتَابِهِ
أَتَضِيقُ عَنْ شِعْرِي وَعَنْ إِنْشَادِي؟!
فِيهَا أَوَابِدُ كَالْوُحُوشِ لِعَالِمٍ
وَبِهَا بَرَاعِمُ لِلصَّغِيرِ الشَّادِي
يَا مَنْ أَحَطْتَ بِهَا، لَأنْتَ نَبِيُّهَا
حَقًّا وَأَفْصَحُ نَاطِقٍ بِالضَّادِ
مَا عَابَهَا إِلَّا حَقُودُ الْقَلْبِ فَالْـ
ـحَسْنَاءُ لَا تَخْلُو مِنَ الْحُسَّادِ
تَجْرِي الْمِيَاهُ نَقِيَّةً فِي نَهْرِهَا
لَيْسَ الرُّكُودُ يَشُوبُهَا بِفَسَادِ
تَشْكِيلُهَا كَالْكُحْلِ فِي عَيْنِ الْحِسَا
نِ يَصِيدُ فِي وَضَحِ النَّهَارِ فُؤَادِي
هِيَ مَجْمَعُ الْمُتَرَادِفَاتِ كَبَاقَةٍ
لِلزَّهْرِ بَلْ هِيَ مَجْمَعُ الْأَضْدَادِ
وَحُرُوفُهَا فِي الْمَدْحِ وَرْدٌ إِنَّمَا
فِي الْهَجْوِ سَيْفٌ سُلَّ مِنْ أَغْمَادِ
هِيَ كَالْفَتَاةِ ثِيَابُهَا فِي يَوْمِهَا
لَيْسَتْ كَمِثْلِ مَلَابِسِ الْأَعْيَادِ
فَثِيَابُهَا فِي (النَّسْخِ) ذَاتُ تَنَسُّكٍ
وَ(بِرُقْعَةٍ) مَاسَتْ فَزَالَ رَشَادِي
وَ(الثُّلْثُ) يَشْمَخُ فِي سَمَاءِ حُرُوفِهَا
فَيَضِلُّ فِيهِ الطَّرْفُ كَالْأَطْوَادِ
وَحُرُوفُهَا زَوْجَانِ قَدْ قُرِنَا مَعًا
بِمَوَدَّةٍ فَالضَّادُ جَنْبَ الصَّادِ
وَاللَّامُ هَامَتْ فِي هَوَى أَلِفِ الْهَوَى
وَتَعَانَقَا بِمَحَبَّةٍ وَوِدَادِ
خُطَّابُهَا كُثْرٌ وَكُلٌّ صَادِقٌ
وَبِعَيْنِهِ أَثَرُ الْمَحَبَّةِ بَادِ
بِـ(دَلَائِلِ الْإِعْجَازِ) وَ(الْأَسْرَارِ) أُفْـ
ـشِيَ سِرُّهَا لِأَئِمَّةِ النُّقَّادِ
وَكَذَا ابْنُ جِنِّي بِـ(الْخَصَائِصِ) خَصَّهَا
فَتَمَنَّعَتْ بِقَوَامِهَا الْمَيَّادِ
وَلِسِيبَوَيْهِ بَدَتْ بِكَامِلِ زِينَةٍ
فَكَأَنَّمَا كَانَا عَلَى مِيعَادِ
لُغَةُ الْعُلُومِ جَمِيعِهَا سَلْ جَابِرًا
وَابْنَ النَّفِيسِ طَلِيعَةَ الرُّوَّادِ
وَسَلِ ابْنَ هَيْثَمَ وَابْنَ فِرْنَاسٍ: رَأَوا
مِنْهَا جُمُوحًا أَمْ ذَلِيلَ قِيَادِ؟
هِيَ كَالْأَنَامِ بِهَا الصَّحِيحُ بِغَيْرِ دَا
ءٍ وَالْعَلِيلُ مُؤَرَّقٌ بِسُهَادِ
وَبِهَا حُرُوفُ الْهَمْسِ تُمْتِعُنِي كَهَمْـ
ـسِ حَبِيبَةٍ بِالْحُبِّ سَمْعَ فُؤَادِي
وَإِذَا جَهَرْتُ بِسِـرِّنَا جَاءَتْ حُرُو
فُ اللِّينِ حَامِلَةً إِلَيَّ رَشَادِي
أَفْنَيْتُ عُمْرِي خَادِمًا لِتُرَاثِهَا
أَنَا عَبْدُهَا وَحُرُوفُهَا أَسْيَادِي
قَلَّتْ حُرُوفًا وَالْمَعَانِي جَمَّةٌ
وَلَوِ الْبِحَارُ تَحَوَّلَتْ لِمِدَادِ
هِيَ نَاقَتِي تَرْعَى مَعَانِي الشِّعْرِ فِي
بَيْدَائِهَا وَأَنَا كَمِثْلِ الْحَادِي
لُغَةُ الْكِتَابِ قَدِيمَةٌ وَعَرِيقَةٌ
وَالْأُخْرَيَاتُ حَدِيثَةُ الْمِيلَادِ
خُطَبَاؤُهَا لَا يَخْضَعُونَ بِقَوْلِهِمْ
بَلْ يَزْأَرُونَ كَزَأْرَةِ الْآسَادِ
كَمْ عَقَّهَا أَوْلَادُهَا وَتَبَرُّهُمْ
فَالْأُمُّ لَا تَقْسُو عَلَى الْأَوْلَادِ
الشِّعْرُ أَغْلَى مَا كَنَزْتُ ذَخِيرَةً
وَحَفِظْتُ شِعْرِي بِاللِّسَانِ الضَّادِي
لَوْلَاكِ يَا لُغَةَ الْجِنَانِ تَقَطَّعَتْ
أُصُرُ الْمَوَدَّةِ بَيْنَ أَهْلِ بِلَادِي
لَمْ يَبْقَ مِنْ مَجْدِ الْعُرُوبَةِ غَيْرُهَا
كُلُّ الْمَكَارِمِ قَدْ غَدَتْ لِنَفَاد
.......
محمد بركات