مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

حكاية فانوس ..قصة قصيرة بقلم الأديب المتميز / أحمد فؤاد الهادي



أمام بيته الذي بناه بنفسه من الطوب اللبن على جانب الطريق الأسفلتي الوحيد بالبلدة، جلس عم توفيق السمكري على رقعة واسعة من الخيش، بجسمه العملاق، وجلبابه الفضفاض، وشعره الكتاني وشاربه الكث، فبدا كتمثال فرعوني مهيب، وقد تناثرت حوله قصاصات من الصفيح الذي برع في تحويله إلى فوانيس بديعة التصميم، مزدانة أسطحها بالزجاج الملون.
مازال طنين وابور اللحام ملتصقا بمسامعي، وأكاد أشتم رائحة الغازات التي تتصاعد كلما غمس كاويته الملتهبة في ماء النار ثم مررها على قطعة النشادر الكبيرة، الكاوية تلتقط القصدير، وكأن القصدير تستهويه تلك الرائحة فيسعى إليها، أقف على مقربة منه، أتابع أصابعه ويديه، وهو يستولد فوانيسه من تلك الصفائح البالية، ومهما طالت وقفتي، لم أره يوما يرفع عينيه عما بيديه، حتى يضع فانوسا جديدا إلى جوار سابقيه، ولكن بشكل والوان مختلفة.
قالت أمي ونحن نتعشى: الليلة دي ليلة النص من شعبان، كل سنة وانتم طيبين.
أختلطت أصواتنا، أنا و أخي، مع صوت أبينا ونحن نبادلها المباركة، وتسللت رائحة رمضان إلى نفوسنا، وقفزت فوانيس عم توفيق متراقصة أمام عينيَّ، فأخذت أحكي في انبهار عن الرجل الذي يشاهدونه جميعا جيئة وذهابا فى الطريق الوحيد.
لم أكد أصدق عينيَّ حينما دخل علينا أبي في اليوم التالي حاملا فانوسين من صنع عم توفيق، ودستة من الشمع، وقبل أن تلمسهما أيدينا، اشترط علينا ألا نوقد شمعتيهما إلا في سحور الليلة الأولى من رمضان، مرت الأيام زاحفة متباطئة، حتى وافتنا الليلة الموعودة، فأعددنا كل شئ للحظة الكبرى، ونادت أمي على أبي للسحور والصلاة، ولكنه لم يجب، لقد ذهب فانوس البيت، فتوارت كافة الفوانيس، حتى تلك التي صنعها عم توفيق.

........
أحمد فؤاد الهادي

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016