قطارُ الصدقِ قد ولَّى و ذابا
و عينُ الحقِّ قد أضحتْ سرابا
و ذي الدنيا توارى الخيرُ منها
و خاصر شرُّها الأرضَ الخرابا
و بات زماننا خَلِقاً كريهاً
فأضحى النذلُ سيِّدَهُ المهابا
فلا تعجبْ لفعلِ النذلِ يوماً
إذا ما مثلُهُ ركب الخطابا
سيصرخُ في عبادِ اللهِ : هبُّوا
أنا ابنُ الريحِ إذْ تزجي السحابا
بما تطوي غياباتي و برقي
سلُوا الرمداء أنْ تُرِيَ الكتابا ؟
فسودُ صواعقي و سياطُ رعدي
أرتْ صمَّاءَ عاديها العذابا
و كفِّي خضَّبتْ وجهَ الصحارى
و ذلَّلتِ الشواهقَ و الهضابا
و أسْدُ سلالتي قبضوا المنايا
و جازوا سدَّةَ الشمسِ اغتصابا
فكانَ الخلْقُ يبكونَ ابتهالاً
ويطوونَ المفازاتَ احتسابا
فلم أبخلْ على الراجينَ عفوي
أنا الفرعونُ منْ يهبُ الثوابا
شفا الأنهارِ تخشعُ تحت نعلي
تسيِّلُ من نضارتها اللُعابا
و أحْدِثُ كلَّ معجزةٍ فأنبي
فهلْ منْ يُحْدِثُ العجبَ العُجابا ؟
و هلْ منْ يزْدري قدري فيسمو
و يمسي الأمرُ طوعَ لَهاهُ قابا ؟
و منْ هو ذا الذي يجتازُ قَطْري
و غورَ ممالكي باباً فبابا
و هذي الفلكُ قد نامت بكفِّي
و دانت ليْ جموعكمُ ركابا ؟
سآمرُكم بما ملكتْ يميني
فتأتوني قطيعاً مستطابا
يطيِّبُ لي ملذَّاتي و عرشي
و إنْ أومأتُ يُحْنِ ليَ الرقابا
فمنْ يتْبَعْ هدايَ لهُ نعيمي
و منْ لا يدَّكِرْ يؤتى الحسابا
و منْ لا يلثمِ الأقدامَ حبْوًا
منَ الإقدامِ أنْ يطأَ الجوابا
فأصلبهُ على صاري المعاصي
و أطعمُ من حشاشتهِ الغرابا
فلا ترمحْ بسمعِكَ صوبَ هذيٍ
و لا تبدِ الملامةَ والعتابا
فهذا النذلُ يا ابنَ الأصلِ جِرْمٌ
حقيرٌ ليس أهْلاً أنْ يُعابا