بسم الله الرحمن الرحيم
أولاً: مقدمة:الكاتب: د. طه حسين: (الميلاد 1889م – الوفاة 1973م)
-الميلاد بعزبة الكيلو التابعة لمغاغة محافظة المنيا 1889م هو سابع أبناء أبيه الثلاثة عشر، كف بصره وهو فى الرابعة من عمره، والده موظف فى شركة اليسكر، تعلم فى كتاب القرية وحفظ القرآن وعمره تسعة أعوام، التحق بالأزهر عام 1902م، ونال شهادته التي تؤهله لدخول الجامعة،ـ كره دراسة الأزهر الرتيبة لا تضيف جديداً له، ولا تروي عطشه للعلم، كان أول من انتسب للجامعة الأهلية عندما فتحت أبوابها للتلاميذ 1908م، ونال الدكتوراه 1914م فى "ذكرى أتي العلاء" وقد أثار كتابه ضجة حتى اتهمه البعض بالزندقة، وسافر فى العام نفسه إلي فرنسا بمنحة من الجامعة للدراسة هناك، وبسبب الأزمة المالية عاد لمصر لمدة ثلاثة أشهر، وعاد لفرنسا فحصل على الليسانس والدكتوراه فى الفلسفة الاجتماعية عند ابن خلدون 1918م وأضاف العام نفسه دبلوما للدراسات العليا فى القانون الروماني، وتزوج من سورات بريسو الفرنسية من أصل سويسري صاحبه الفضل عليه فيما حققه من نجاحات، أحبها طه حسين حباً جماً، وقال إنه منذ سمع صوتها العذب لم يعرف الألم، وأنه رأي الدنيا لأول مرة بعينيها، وأنجب منها أمينة ومؤنس، أول أساتذة طه حسين: الشيخ محمد جاد الرب الذي تعلم على يديه مبادئ القراءة والكتابة وحفظه القرآن، وفى الأزهر: سيد المرصفى، مصطفي المراغي، محمد بخيت، محمد عبده أكثر فى ثورته على الجمود، وفى الجامعة: أحمد زكى، أحمد كمال، والمستشرق جويدي، وليتمان وسانتلانا وميلوني، وفى فرنسا: غلولسيس، بلوك، سيغنوبومى، بوغليه.
-وعاد طه حسين 1919م من فرنسا ليدرس التاريخ اليوناني والروماني فى الجامعة المصرية، وصار عميداً لكلية الآداب 1928م وأحيل للتقاعد 1932م عمل بالصحافة حتى 1934م وعاد عميد الآداب وأستاذاً بها 1934م، 1936م وظل يدرس بها حتى 1942م الذي عين فيها مديرا لجامعة الإسكندرية ثم عين وزيراً للمعارف 1950م ومنح لقب الباشوية 1952م، وعمل رئيساً لمجمع اللغة العربية، وعاد 1959م أستاذاً غير متفرغ فى كلية الآداب، وعاد للصحافة فرأس تحرير جريدة الجمهورية.
-ألف كتابه فى الشعر الجاهلى 1926م، الذي أثار جدلاً وعرضه للمحاكمة التي برأته، وحذف منه مقاطعاً أربعة، دعا طه حسين للتجديد، والنهوض بالأدب، والكتابة بلغة سهلة، ورفض الجمود، والتحجر وعدم إعمال العقل، ودعا إلي مجانية التعليم والتحرر من وسائله التقليدية، نال عديداً من الجوائز والمناصب العالمية.
-ألف حسين حوالي ثلاثين كتاباً ما بين: الدراسات التاريخية والنقدية والروايات والمقالات والترجمات منها: الفتنة الكبري، الأيام، دعاء الكروان، الحب الضائع، حديث الأربعاء، على هامش السيرة.
ثانياً: الرواية:
الأيام رواية فى ثلاثة أجزاء، وهي سيرة ذاتية لطه حسين، وهي فن أدبى رفيع المستوي يسجل فيها طه حسين الملامح الرئيسية لحياته الحافلة، فى الجزء يبين الأديب ملامح طفولته فى بيته الريفي، وفى الكتاب، وفى الجزء الثاني يلقي الضوء على حياته فى الأزهر وكيف كانت علاقته بهما وبالأساتذة والأصدقاء والزملاء وفى الجزء الثالث يتحدث عن علاقته بالجامعة الأهلية ثم السفر إلى فرنسا وحياته ودراسته هناك ثم عودته إلى مصر واستقرار أحواله فيها.
ثالثاً: ملخص الرواية:
أ) الجزء الأول:
1-يوضح الكاتب كيف كانت بداية طفولته وأبعد ما يتذكره منها: يتذكر البيت، والسياج أمامه من القصب، وكيف كاف علاج عينيه الذي لم يفلح، وصوت الشاعر وحبه له، ومخاوفه الكثيرة الخيالية أثناء الليل، والأوهام التي كانت تسيطر عليه، وكيف يبدأ اليوم من جديد.
2-يتذكر الفتى القناة الموجودة على يمين البيت، وكانت نهاية الدنيا فى تصوره وقتها، ويسبح خياله فى طولها وعرضها وما فيها من أسماك، وخاتم سليمان وما يحققه لمن يعثر عليه، يتذكر عن يمينه العدويين وكليهما الشرسين، وعن يساره سيد الأعرابي وزوجته كوابس الشريرين، ويتعجب الكاتب من ذاكرة الأطفال حيث يتذكر أشياء قديمة ولا يتذكر أشياء أحدث منها بكثير، يتذكر عبور القناة على كتفي واحد من أخوته ولا يتذكر تفاصيل كثيرة بعد ذلك.
3-للكاتب ثلاثة عشر أخا وأختا من أبيه وهو سابعهم، وهو خامس أشقائه الأحد عشر، وكانت له مكانة خاصة عند أبويه رغم العدد الضخم من الأخوة والأخوات، وكانت المعاملة الخاصة من أخوته تؤذيه لأنه يشعر بالنقص، وتبين أنه لا يري عندما سمع إخوته يصفون أشياء لا يراها.
4-صار طه حسين شيخا وهو فى التاسعة فقد نجح فى حفظ القرآن الكريم، ومن يحفظ القرآن وقتها كانوا يطلقون عليه لقب الشيخ، وأحس مرارة الفشل لأول مرة عندما أراد أبوه أن يفخر به أمام واحد من أصدقائه فطلب منه أن يقرأ عليهما من سور القرآن فلم يستطع، ولا يدري أيلوم نفسه لأنه نسي أم يلوم شيخه لأنه أهمله أم يلوم أباه لأنه أمتحنه.
5-استطاع طه حسين بسرعة أن يستعيد الثقة فحفظ ما نسي وسمع ما أراده أبوه وسعد به الشيخ ووضع له برنامجا ليراجع القرآن كله فى أسبوع فلا ينسي مرة أخرى.
6-ترك الفتى الكتاب لأنه سيذهب للأزهر، وانتقد بشدة شيخ الكتاب (سيدنا)، ولكنه اضطر أن يعود للكتاب بعد أن ألح الشيخ على والده، وتعلم طه حسين الاحتياط مع الكلام مع الآخرين.
7-لم يسافر الفتى للأزهر وتأجل السفر سنة لصغر سنه ولأنه عبء لم يرد أخوه الأزهري أن يتحمله، وترك كتابين: ألفية ابن مالك، ومجموع المتون ليدرسهما استعداد للالتحاق بالأزهر، وكان يحسن بما لأخيه الأزهري من مكانه بين الناس فأقبل علي دراسة وحفظ الكتابين، ويتذكر كيف صار أخوه الأزهري خليفة ومظاهر الاختفاء به، وذلك كله لأنه يدرس فى الأزهر.
8-لقلة التعليم فى القرى يحتل المتعلمون مكانة عالية بين أهل تلك المناطق بينما لا يشعر بالمتعلمين سكان العاصمة لكثرة العلماء بها، ففي بلدة الفتي أربعة علماء الأول: كاتب المحكمة الشرعية حنفي الذي لم يفلح فى الأزهر واكتفي بعمله ككاتب، وكان ينافس شقيق الفتي الأزهري، ورفض خطبة الجمعة من شقيق الفتى وأهاج الناس عليه
والثاني:
-إمام المسجد كان شافعيا ومعروفا بالتقي والورع، وكان الناس يكبرونه لدرجة التقديس حتى بعد موته.
-وشيخ ثالث مالكي كان يعمل فى الأرض ويتاجر، ويجلس بين الحين والأخر يعلم الناس الدين ويقرأ عليهم الأحاديث فى تواضع.
-أما الخياط البخيل فكان يسخر من كل الشيوخ ويعتبر أن العلم الحقيقي هو العلم اللوني فقد كان متصلا يواحد فى كبار أهل الطرق الصوفية، كان الفتى يتصل بهم جميعا ويأخذ ما لديهم من علم فتكون لديه رصيد ضخم من المعارف لا تخلو من اضطراب واختلاف وتناقض.
9-سهام القدر تصيب بيت طه حسين فتموت أخته الصغرى 4 سنوات ويصف ذلك وصفا مؤلما ويبين إهمال الأهل فى أطفالهم، ثم يموت جده لأبيه، ثم تموت جدته لأمه، ويزلزله موت أخيه الأكبر 18 سنة طالب الطب المتفوق بوباء الكوليرا ويصف موته وصفاً مؤلماً، ومن ذلك اليوم تغير الفتي عرف الله حقا وحرص على التقرب إليه بالصدقة والصلاة والقرآن يصلى لنفسه ولأخيه الفقيد، ويصوم لنفسه ولأخيه، ويقرأ القرآن ويهب ثوابه لأخيه، من وقتها عرف الأرق، ونسي الجميع الفقيد سوي شخصين الفتى وأمه.
10-وفى يوم من أيام خريف 1902م أخبر الشيخ ولده طه حسين أنه سيذهب ليدرس فى الأزهر ويكون مجاوراً فيه، الفتي يذكر أخاه الذي مات ويحزنه ذلك كثيراً، ويصل الفتي مع أخيه إلي القاهرة، ويبدأ فى الذهاب إلي الأزهر مع أخيه، ويتجه لدراسة الفقه والنحو.
11-ينتقل طه حسين إلي الحديث عن حواره مع ابنته التي عمرها تسع سنوات, وعن إعجابها بأبيها، وأن يخشي أن يصارحها بحقيقة طفولته البائسة فتهتز صورته المثالية عندها يذكر لابنته كيف بكت من قصة أوديب لأنه فقد عينه كأبيها، وإنه يعرف عبث الأطفال فلا يريد أن ينص ما يجعلها تعبث به، يحكي لها عن نفسه وعمره 13 سنة وقد أرسل للقاهرة ليدرس فى الأزهر، يصف لها حالته البائسة لبسا وهيئة لكنه مصر على التعليم وتحصيل العلم، يصف لها الحياة القاسية حيث نوع واحد من الطعام، ويرجع ما به من نعمة إلي من غير حياته إلي زوجته التي يلقبها بالملك.
ب) الجزء الثاني:
1-قضي الفتي أكثر من أسبوعين وهو لم يستقر بعد فهو بين أطوار ثلاثة طور فى بيت غريب وسكان أكثر غرابة، وطريق مازال لم يعتدهٌ يعد، والطور الثالث فى أروقة الأزهر.
2-طور الفتي الثالث هو أحب الأطوار لديه فهو يعاني فى البيت وفى الطريق لكنه يستمع بالدراسة فى الأزهر، ويشبه نسيم الأزهر بعد الفجر بقبلات أمه التي تنعشه وتبث منه الأمل، ويضف الكاتب كيف كان الأزهر بعد صلاة الفجر، ويقارن بين أصوات الطلاب وأصوات الأساتذة فى الدرس بعد الفجر وبعد الظهر، ويحدثنا عن العبارة التي شغلته "الحق هدم الهرم" درس الفقه على يد الشيخ راضي وكتاب التحرير للكمال ابن الهمام، وتأكد أن العلم بحر لا ساحل له، وقد ينفق الإنسان عمره كله فى الدراسة ولا يحصل إلا قدراً يسيراً من العلم، وكان يفهم درس الحديث لكنه ينكر العنعنة المملة، ثم يستمع لدرس الصبح، فإذا جاء الضحى عاد إلي بيته وإلي غرفته التي يكرهها.
3-يتحدث الكاتب عن إقامته الموحشة فى الفرقة التي يصل إليها قبيل العصر ويتصرف عنه أخوه ويظل يعاني هذه الوحشية والخوف حتى بعد العشاء بعدة ساعات عندما يأتي أخوه فيشعر بالأمان، وهو فى حالته الصعبة وأوهامه التي تتغلب عليه يذكر بيته فى القرية فيشعر بالحنين إليه ويتذكر أحواله الطيبة هناك.
4-يبين الكاتب أن هناك صوتين غريبين يسببان إزعاجاً يوميا له فى أول الثلث الأخير من الليل: صوت عصا غليظة، وصوت إنساني متقطع يعلو بالحمد والتسبيح، واكتشف أنه للحاج على، وهو شيخ بلغ السبعين لكنه متماسك، وهو تاجر من الإسكندرية يقيم فى البيت نفسه، وله بيت فى القاهرة يدر عليه دخلاً، وهو يشارك شباب الأزهر فى طعامهم يوم الجمعة، ويقوم بإيقاظ من يتأخر نائماً، ويقترح ما سيأكلونه فى العشاء، ويحكى الكاتب كيف دارت الأيام وتوفى الحاج على وخزن عليه البعض حزناً وقتياً، ورغم ظله الثقيل على الفتي فكان يشعر نحوه بالرحمة.
5-يتحدث الكاتب عن شاب يجاورهم فى السكن وفى الدراسة فى الأزهر، ولكنه كان أقل منهم ذكاء وتحصيلا للعلم، ويحكي كيف يتعامل معهم رغم ذلك، ويبين حب طلاب الأزهر للإمام محمد عبده وإعجابهم به، وتأييدهم له فى نقده للأزهر رغم أن ذلك سيجعله يترك الأزهر، ويبين كيف كان الطلاب يفخرون بأنهم تلاميذ للإمام، وللشيخ بخيت، وللشيخ أبى خطوة، وللشيخ راضي وكيف أنهم لا يكتفون تلقي الدروس، ولكنهم يتواصلون مع شيوخهم فى بيوتهم، ويشاركونهم فى بعض الدروس، وكان تفوق تلك المجموعة مثار إعجاب باقى طلاب الأزهر. وظلت علاقة هذه المجموعة بذلك الشاب قائمة على التنور من جهله حتى كانت القطيعة عندما علموا أنه على اتصال بالمحافظة خلال الإضراب الذي قام به الطلاب مناصرة للإمام، ويموت ذلك الشاب ولا يقول عنه طلاب الأزهر سوى "إنا لله وإنا إليه راجعون".
6-الفتى اكتسب من العلم بالحياة ما لا يقل عما اكتسبه من العلم بالفقه والنحو والتوحيد، ويتحدث عن الشيخ الذي تتلمذ على يديه وهو شيخ في بداية عمله كأستاذ، يصفه شكلاً، ويعجبه طريقتان فى شرح الفقه والنحو، ويبين كيف تم اختباره فى حفظ القرآن ليلتحق بالأزهر، وكيف آلمه نداء الشيخ له "أقبل يا أعمى"، وكيف كشف عليه الطبيب وذكر أنه سنه خمس عشرة سنة وهو مازال ثلاث عشرة سنة.
7-يكرر الكاتب ما سبق أن تحدث عنه من معاناة له فى الغرفة حيث وجدته، ومعاناة أخيه فى أخذه إلى الأزهر والعودة به، ويذكر ما بشره من أخوه من قدوم ابن خالته، وأن الوحدة ستنتهي.
8-الفتى ينتظر قدوم ابن خالته ويحكى عن سابق عهدهما معا، ويسعد كثيرا بقدوم ابن خالته فقد ودع الوحدة، وتغيرت حياته كلها.
9-يبين الكاتب تفصيلات حياة الصبي التي تغيرت بقدوم ابن خالته، وتفصيلات الطعام، وكيف انقضت السنة الأولي فى الأزهر، وحيرته فى العودة إلى أهله فى أجازة الصيف أم البقاء فى القاهرة، ويعود هو وابن خالته إلى بيتهما فى الريف.
10-يعود الفتى وابن خالته ولا يسعده الاستقبال الفاتر فلم يكن أحد بانتظارهما بالمحطة ولم يتم الاحتفاء بهما، ومضت الأيام الأولي والفتي يشعر بالملل، فكأنه لم يذهب للأزهر، فلم يسأله أحد عن دراسته أو ما حصل من العلم، ويبدأ فى التمرد فينكر على أبيه قراءه دلائل الخيرات والتوسل بالرسل ولأب ينهره ويهدده، ويشنط فى نقذه لشيوخ القرية، وتبدأ الأسرة النظر إليه بعين الإعجاب، وأخيراً يعود إلي القاهرة ليكمل دراسته فى الأزهر.
11-يبين الكاتب كيف بدأت علاقته بالأدب، وسمع كلمة الأدب والأدباء، ويذكر الشيخ الشنقيطي رحمه الله، وما يذكر عبثه من أعاجيب، ويذكر كيف تعرف على المعلقات وحفظ بعضها، وكيف حفظ مقامات الهمذاني، وكذلك ديون الحماسة، وعلاقته المتميزة بالشيخ المرصفى ودعوة الشيخ له للجلوس على إحدي المقاهي، ويصادق اثنين من تلاميذ الشيخ المرصفي المقربين، وكان الشيخ المرصفي يدرسهم الشعر وأصول النقد ويتطرق للموازنة بين انطلاقات العقل قديماً وجموده فى الأزهر، وكان المرصفى أستاذاً وأديباً، وأعجب الثلاثة بزهد المرصفي وبره بأمه وتعففه، وصبره أيما إعجاب، وقد انتقده تلامذته لأنه كثب قصيدة يمدح بها الشيخ الشربيني ويعرض فيها بالإمام، ويبين كيف سخر هؤلاء التلاميذ من الأزهر وشيوخه والدراسة فيه، وكيف استدعاهم الشيخ حسونة وأبلغهم أنه شطب أسماءهم من سجلات الأزهر، وبحث كل واحد عن طريقة لرفع العقاب حتى تبينوا أن ذلك كان تهديداً فقط، وألم الفتي كثيراً وأحزنه أن يقول الشيخ المرصفي: عايزين نأكل عيش، وقد خرج الفتي من هذه المحنة بالتعرف على بيئة الطرابيش عند مدير الجريدة، ويقارن بين بيئة العمائم وبيئة الطرابيش وبين الأغنياء والفقراء.
جـ) الجزء الثالث:
1-مرت على الفتى أربع سنوات بالأزهر وكأنها أربعون سنة، ليس بسبب الفقر ولكن بسبب الملل، فلا تجد جديداً منذ يبدأ العام حتى ينتهي، التوحيد بعد الفجر، والفجر بعد الشروق والنحو قبل الظهر وبعده، فراغ كثيف ودرس ودرس المنطق بعد المغرب كلها لا تمس قلبه ولا ذوقه ولا تغذي عقله، ولا تطبق لعلمه جديداً، ويستكثر الفتى أن يظل يدرس ثمانية أعوام أخري بعدها ثمانين عاما، سمع عن الجامعة، ووجد فيها كشفاً لغمته فى الأزهر، ولكنه بدأ يشك أن الجامعة يمكن أن تقبله فهو أعمى، ولا يحب أن يتحدث عن آفته مع أحد وأخذت هذه الفكرة تؤلمه، فإذا فتحت الجامعة كان من أوائل من ذهب إلبها وكان دفع ثمن حضور المحاضرات عسيراً عليه وعلى زملائه، واستمع فيها لدرس عن الحضارة الإسلامية وأخذ يقارن بين إلقاء الدروس فى الأزهر وفى الجامعة، وخلال ثلاثة أيام تغيرت حياة الفتى تغيراً كاملاً.
2-عبد العزيز حاويش شيخ الفتى يطلب منه إلقاء قصيدة فى احتفال بقدوم السنة الهجرية ويجيد الفتي ذلك، ويشركه فى تحرير مجلة الهداية، ودخل معركة كلامية مع الشيخ رشيد رضا وشجعه شيخه على ذلك، وشارك فى تدريس الأدب فى مدرسة ثانوية أنشأها الشيخ، لكن الشيخ ترك كل شيء وسافر فجأة وعاد فجأة، لقد أعان الشيخ جاويش الفتى على الخروج من بيئته المعلقة، وكذلك عرفه أحمد لطفى السيد على الكثيرين، وتعرف إلي أول فتاة تحصل على الثانوية نبوية موسي... ثم يحكي كيف تعرف إلي مي زيادة بعد أن قرأت رسالته عن أبي العلاء، وقد عرفه بها مدير المجلة.
3-يذكر الفتي أساتذته بالجامعة لأنهم جددوا علمه بالحياة، وغيروا نظرته للمستقبل، وأتاحوا لشخصيته العربية فرصة الصمود أمام المستشرقين، كان منهم المعممون والمطربشون، وكانوا مختفين فى أشياء كثيرة، كان منهم إسماعيل رأفت مثالا للجدية وعزارة العلم، ومنهم حنفى ناصف كان مثالاً للتواضع وحب التلاميذ، والشيخ محمد الخضرى وكان مثالا لعذوبة الصوت وحسن الإلقاء ودرس عليه التاريخ الإسلامي.
4-يبين الكاتب كيف تعلم الفرنسية، وكيف أعانه على ذلك أستاذ عجوز كان أبوه قاضيا فى المدينة التي نشأ فيها الفتى، تم معلم أخذ يعمله أصول الفرنسية ثم محمود سليمان ابن ملاحظ الطريق الزراعية الذي درس مع الفتى بعض الوقت فى الكتاب، وتقدم معه كثيرا فى اللغة الفرنسية، لقد صارت الجامعة مجرد وسيلة فقد صارت غايته السفر إلي أوروبا لإكمال الدراسة، وقد صارت واقعا بالنسبة له حتى أنه كان يحدث أخواته أنه سيسافر ويتزوج فرنسية أفضل منهن وكن يضحكن منه، وعندما أعلنت الجامعة عن بعثة لأوروبا أصر الفتى وأرسل لإدارة الجامعة فرفضت فأرسل لها التماساً أخر ، فعلقت موافقتها على حصوله على الدكتوراه، وقد قبل التحدي واستطاع الحصول على العالمية.
5-يصل الفتى إلي فرنسا، ويقارن بين الحياة هناك وحياته فى بلدته وفى الأزهر، ويبين الصعوبات التي واجهته هناك، وكيف بدأ يتعلم الكتابة البارزة التي لم تنفعه كثيرا، وكيف أخذ يتعلم اللاتينية، واختلافه مع أخيه وانفصالهما وصعوبة الحياة، ثم كيف تعرف على صاحبة الصوت العذب، وكيف يتعلق بها، وعودته المحزنة فجأة إلي مصر بأمر من الجامعة لكل طلاب البعثات.
6-العودة إلي مصر بسبب أزمة مالية تمر بها الجامعة وكانت قاسية جداً، ولم يكن يسعد الفتى إلا تذكرة للصوت العذب الذي تعرف إليه فى فرنسا، وكان هو ورفيقيه أمثلة لليأس والإحباط، وما أسوأ حجزهم عن دخول مصر يومين، والبقاء فى مصر فى معاناة لمدة ثلاثة أشهر لم تسعده إلا رسائل الصوت العذب الذي يشجعه ويبث فيه الأمل، حتى عندما نشر كتابه عن أبى العلاء فى جريدة السفور لم يستفد شيئا، وجاء الفرج وانفرجت أزمة الجامعة وعادت البعثات إلي أوروبا، والفتى فى غاية السعادة، ويتغلب على مشكلة أثارتها شركة السياحة بالسفر عن طريق بورسعيد.
7-يبين الكاتب كيف كانت العودة إلي فرنسا، وكيف كان السفر مؤلما فقد ظل ثلاثين ساعة لا يتحرك من مقعده ويرفض الأكل والكلام، ويفكر فى عاهته التي يشبهها بالشيطان، ويفكر فى رفض أخيه مساعدته وإخفاء تبرع علوى باشا عن أبيه، وعدم إرسال مساعدة أبيه له، وطلب أخيه استعادة النظارة التي أهداها له، يصل إلى باريس، وإلى الحي اللاتيني ويسمع صوتا يجعله أسعد الناس، وينتقل لحياة أخري مختلفة تماماً.
8-يبين الفتى كيف كانت حياة فى باريس وكيف كانت المشقة، كان وكأنه سجين، بين البيت والجامعة فقد، يحاول أن يدرس أصول التاريخ ويجيد تعلم الفرنسية فهو لم يكن مستعداً بعد للدراسة فى الجامعة، ويشفق على نفسه أن يسخر منه أستاذ، أو يضحك عليه الطلاب، وكم آلمه قول واحد من الأساتذة "أسطى لا يستحق النقد" عن واجب أداه.
وقد صرح لصوته العذب بأنه يحبه، وردت عليه إنها لا تحبه، وقد جعله هذا الرد يفكر كثيرا وأصابه ذلك بالأرق والمرض، وصرخ بهم بسبب الأرق، ووعدته الفتاة أن تفكر فى الأمر وفى أجازة الصيف إذا دعته للإقامة مع أسرتها فمعنى ذلك أنها تعد حصته وإلا فليستمرا صديقين، وقد جاءته الرسالة فأسرع إلي تلبية الدعوة.
9-يبين الكاتب أنه انشغل بأمور دراسته عما يفعله المحبون فى فترة الخطبة، أصر أن يحصل على الليسانس أولاً ويتجنب المبعوثون ذلك بصعوبة اللغة اللاتينية، وله صديقان أحدهما فشل والآخر نجح بعد فشله عدة مرات، استأذن الجامعة فى الزواج لأنها تمنع زواج المبعوثين فأذنت له بشرط الحصول على الليسانس أولاً وأقبل الفتى على الامتحان فى عناد، وفإن نجح فرميه بغير رام، وإن فشل فما أكثر من يفشلون، وحصل على الليسانس ثم الدكتوراه.
10-يحكي الفتى كيف سارع إلي الدراسة للحصول على دبلوم الدراسات العليا فى التاريخ، وكانت الكتب مكلفة فوافقت الجامعة على شرائها بشرط أن تكون ملكها، الحرب تضطر الفتى للذهاب بزوجه إلي الجنوب ومنها إلي إيطاليا، وقدوم أمينه والعودة إلي فرنسا واستمرار الدراسة، وإنتهاء الحرب، ورغبة مصر فى الاستقلال، وقدوم سعد وزملائه إلى باريس ولقاء الفتى بهم.
11-يبين الكاتب بداية حياته فى مصر بعد حصوله على الدكتوراه وعودته وأسرته إلى مصر ورفض الجامعة مساعدته، وأنه نزل ضيفاً على أخيه وأن صديقه محمد رمضان الذي عرفه إلي شركة أقرضته ليستغل بحياته، لقد ضاع أغلب القرض فى أسهم لم تفده، فاستأجر بيتاً متواضعاً وجهزه بأثاث مستعمل على مضض، وانفرجت الأزمة ببداية الدراسة فى الجامعة وتدريسه فيها تاريخ اليونان، والتقي به السلطان وطلب منه أن يلجأ إليه إذا احتاج شيئاً، ورفض حضور مؤتمر للعميان، واختلف مع الجامعة التي رفضت أن تعين له مرافقا فاستقال ثم سحب استقالته، والتقي السلطان فشجعه وأثني على سحبه للاستقالة، وأهدى للسلطان كتابه، لكن السلطان أراد شكراً آخر غير إهداء كتاب.
رابعاً: عناصر الرواية:
1-الزمان: يمتد زمان القصة من بداية وعي طه حسين الذي ولد 1889م وحتى عام 1920م عندما قدم استقالته للجامعة ثم سحبها.
2-المكان: تمتد الأماكن وتتنوع بدءاً من بيت طه حسين فى قرية الكيلو، والكتاب وساحات الأزهر بالقارة وسكنه فى ذلك الربع وما حاور الأزهر من أماكن، والجامعة الأهلية وقاعاتها، ثم مونبليه بفرنسا ثم باريس وقاعات السوريون، والبيت الذي عاش مع أهله، وجوب فرنسا، وإيطاليا والسفينة التي سافر فيها، وبيت أخيه، ثم بيته فى السكاكيني، وقصر سلطان مصر، ولم يحرص طه حسين على رسم الأماكن بدقة لأنه لم يكن يراها بوضوح ولم يحب أن يتورط فى تصوير ما لا يري لذلك مر على كثير من الأماكن دون تصوير دقيق لها.
3-الأشخاص: كثيرون لامتداد الرواية ولأنها سيرة ذاتية، شخصيتها الأساسية هي طه حسين، ولا نكاد نظفر إلا بوصف دقيق له من الناحية النفسية، فلقد كان العمى صاحب الأثر الكبير عليه نفسياً، فهو الذي يحول كل سعادة يشعر بها إلي شقاء، وهو شيطان يكمن له حتى يفاجئه بالألم والإحساس بالنقص لم يدرك ذلك فى بداية حياته لكنه صحبه رغماً عنه طوال عمره، وكثيراً ما قضى مضجعه، وطه حسين شخص عنيد، محب للعلم، محب للتجديد، طموح صبور صلب حساس لا يستسلم بسهولة، يشك فى كل شيء حنون مغامر، وقد برز ذلك كله من خلال مواقف حفلت بها الرواية.
ومن الشخصيات المؤثرة فيه: أمه وقد وصف مشاعرها عندما توالت عليها المصائب، وأبوه عندما امتحنه فى الحفظ، وعندما جادله فى أهمية كتاب دلائل الخيرات، وأخوه: الذي مات بالكوليرا، وأخوه الذي يكبره فى الأزهر وابن خالته رفيق صباه الذي يسعد به، وشيوخه فى الأزهر خصوصاً الأمام محمد عبده والشيخ المرصفى وأساتذته فى الجامعة الأهلية، وجامعة السربون، وعلوى باشا رئيس البعثات والسلطان، ثم الشخصية الأساسية الثانية وهي زوجته التي لم يتحدث عنها مباشرة ولكن وصفها من خلال رؤيته لها بأذنه فهي الصوت العذب الذي غير حياته لم يصف شكلها ولا هيئتها ولا لون شعرها ولا لون عينها، ولكن وصف حديثها وصراحتها معه ومساعدتها المخلصة له قبل زواجها وبعد زواجها وبين كيف رأي العالم والدنيا بعيونها، وكيف لم تسارع بالموافقة على خطبته، وكيف حزنت وهو يفرش بيته الأول بالسكاكيني بفرش مستعمل، وكيف نصحته بسحب استقالته التي تقدم بها للجامعة ففعل، وكيف طلبت منه أن يكون له مرافق غيرها فوافق، إنها الشخص الوحيد الذي أحبه طه حسين حبا جماً ثم ابنته أمينة التي يوجه لها الخطاب، وأنه لا يريد أن يقص عليها ما يجعل صورته تهتز فى نظرها، وكيف أنها بكت عندما حدثها عن أوديب: لأنها ربطت بين عمي أوديب وعمى والدها.
4-العقدة: رغم كون الأيام رواية من روايات السيرة الذاتية التي لا تستند فيها الحبكة الدرامية لأنها تحكي عن وقائع حقيقية وحوادث حدثت بالفعل إلا أن طه حسين نجح فى أن يجذب الانتباه إلي العقدة الرئيسية وهو كيف يحقق صبي فقير أعمى ما لم يستطع أن يحققه المبصرون وقد نشأ بكت الأحداث فى كل مراحل الرواية لتصل بنا إلي تلك العقدة، وهو لم يفعلها ولم يصرح بها، حتى حكى لنا فى أخر الرواية كيف كان يخبر أخوته أنه سيصير عظيماً وسيتزوج فرنسية أرقي فى كل شيء منهن.
5-الحل: يأتي الحل طبيعياً متسقاً مع رواية سيرة ذاتية، فقد حقق الفتي ما يصبو إليه حفظ القرآن والتحق بالأزهر، ونال العالمية، وسافر لفرنسا ونال الليسانس ثم الدكتوراه ثم دبلوم دراسات عليا، وعاد ليدرس فى الجامعة، وختم روايته بعبارة تؤسس لحل واقعي يتسق مع الأحداث:.. ولكن السلطان كان يري شيئاً أخر، وينتظر شكراً أخر غير إهداء كتاب مهما كان موضوعه...
وبعد فإن رواية الأيام كرواية سيرة ذاتية تحمل فى طياتها نقاط متعددة للنقد، فقد قال طه حسين لابنته أنه لن يذكر ما يثير سخريتها أو خزنها أو يسقط صورة الأب من نظرها وهذا يؤكد أن طه حسين لم يرو كل الأحداث أو أغلبها وإنما اختار ما يلائم هواه أن هذه أول النقاط والنقطة الأخري هي علاقة طه حسين بربه فهو لم يذكره إلا عندما مات أخوه فى وباء الكوليرا وكان يصلى له ويصوم له، ولم يذكر بعدها أنه لجأ إلي الله فى أي مشكلة عنت له، والنقطة التالية هي عدم حكايته لكثير من المشكلات التي أثارها الناس ضده خصوصاً عندما اتهموه بالكفر والزندقة بعدما ناقش الدكتوراه فى ذكرى أبي العلاء، وعندما قرروا منعه من العودة لفرنسا لولا تدخل السلطان وإيقاف القرار الذي اتخذته الجامعة لتطاول طه حسين على الأزهر فى النقد، والنقطة الأخيرة كما نري هي عيوب الحياة فى أوروبا التي لم يذكر عنها أي شيء رغم أن الكثيرين ممن سافروا ذكروا كثيراً من تلك العيوب، وفى كل الأحوال فقد نجح طه حسين فى إلقاء الضوء على تفاصيل كثيرة فى حياة القرى وحياة الأزهر ومصر القديمة، ونجح فى ترسيخ الأسلوب السهل الممتع فى الكتابة الأدبية، وفتح الباب واسعاً لكتابة السير الذاتية..
..............................................................................
((ألقيت كمحاضرات في برنامج التأهيل للعمل في السلك الدبلوماسي))
بقلم
الأديب المستشار
صالح شرف الدين
يوليو 2014م