في أرض الصّمت تنبُتُ التّناقضات كالطّحالب
إلى اللامَحدودِ تَخطِفُني فِكرةٌ أنكَرَتها الأرض
وفي لَيلِ الصّحراءِ يندَسُّ حلمٌ فرَّ من مَنازِلِنا
ترَكَنا في ظلّهِ؛ ننتَظِر صحوةَ فجرٍ مفاجِئة...
ينبَسِطُ السّفح،
يقينا سَقطَةً موحِلَة.
وخلف الظّنونِ تنتَصِبُ الطّرُقاتُ العارِيَة
تمتدُ إلى قلوبِنا
أعمارُنا، وجوهُنا، حُدودُنا... في عَرضِها مَرايا
يا صرخَةَ المزايا!
خطواتنا في شارعٍ يحتلّنا
كقطّةٍ تموءُ في زوايا خَرابنا
تحلُمُ بالهَواء؛
يلفُّها انطفاؤنا...
يدعوها لوليمَة أخلاقٍ لا تُستَفزّ
في سرِّها وُئِدَت ذاكرَة الثّواني
تمرّدت مواسمُ كم بحثَت في حُلمِنا عن مُدُنٍ تَتّسِعُ لِنُعاسِنا
والعابرون ضَجيجُهُم يُقيمُ في عُيونِنا
الباحِثَةِ عَن قَمَرٍ بِعُمرِ الاشتِهاء
تَحَدّرَ من رَغبَةٍ مَلعونَةٍ تَوَلّدَت في طُفرَةٍ مِن تيه
الرّغبةُ مدينةٌ تحرُسُها طحالِب
الرّغبَةُ ارتعاشَةٌ تُغازِل المُطلَقَ في بَثْقَةِ السّراب
وخلسَةً؛ قًد تُصبِحُ سَحابة
تسرقُنا من وًعيٍنا...
وخلسةً تَتَلاشى!
والأعماقُ تَنعى شِتاءاتِها القاحِلَة
نِداءاتُها تَنهالُ على عاتِق الصّحراء
والحكمَةُ التي أُفرِغَت من ذاتها
هنا تَصيرُ لَيلةً تبحَثُ عن هَجيرها
والوَسوَساتُ الصّاغِيَة
تَغرِسُ في شُقوقِها تَطلُّعاتِ العُشبِ
لموسمٍ كانَ..
كانَت لَهُ مَنازِل
تُضيئُها عُيونُنا اللائِذَةُ مِن ضُحاها
إلى أفقٍ يِشُقُّه مَوسِمُ الغُيومِ المدفوعِ بالمشاغِل
اللّيلُ فيهِ عُمرُنا
الليلُ لا يُقاتل
يُحالِفُ الذين هاجَروا أبعَدَ من ذواتِهِم
أحلامُهُم تَتَضاءَلُ في اتِّساعِ المكان
أوقاتُهُم خانَتهُم في مُدُنٍ شَتّى
خَلَعَتهم نَزواتثهُم خَلفَ جَفافِ الأزمِنَة
محَدّقين في الأبَد
وفي ثُقوبَ الوَقتِ
يَنامُ ملءَ الموتِ
حارِسُ الوَصايا
كلُّ شَيءٍ هَهُنا مُتَعَدّدُ القَواسِم
يَقبلُ الاندِثار
ويَثبُتُ التّشَظّي؛
شمّاعَةُ الكِبار...
والبروقُ الطّائشَةُ القادِمَةُ مِن مَتاهَةِ الغُيوم المتآكِلَة
تمُرّ بِخِيامِنا
تهجُرُنا لشارعٍ يَستَقطِبُ الصُّدَف
والعدَمُ المنتَصبُ في وَجَعِ الرّصيف
لم يُبقِ بنا سوى الصّرخَة التي كادَت تَقفِزُ إلى عمرٍ أبعدَ من أخلاقِنا
كأنّنا لَسنا لنا!
لم نَعُد نَشكو إذا شَرِبَ السّدى شِريانَنا
وفرّ الوقتُ من أنثاه،
تَمَطّى عَقيمًا على بابِنا
نَفَتنا الشّمسُ عَن ثَديِها
والبَحرُ لَفَظَنا
صِرنا في غابَةٍ حاضِنَة
وقد غادَرت أحشاءَها الأمكِنَة
تَقَعَّر فينا لَونُ الزّمان
وصِرنا كَمَن يَرتّدي نَفسَه؛
طَويلا لِيَطمِسَ أعباءَها
وفي المجالِ ذاتُهُ...
تَقتُلُهُ صِفاتُها
... صالح احمد (كناعنه) ...