مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

الخليل إبراهيم عليه السلام...5 بقلم الأستاذ / عصام قابيل




رؤية جديدة لأحداث جليلة قديمة

سألته هاجر بذكاء المرأة المسلمة : آالله أمرك بهذا ؟ لم يستطع إبراهيم عليه السلام أن يخالف أمر ربه...نعم إن الموقف صعب والمشهد غاية في التأثر والقلوب تجأر إلي الله ولكنه أمر الله الذي ينبغي أن يطاع مهما كانت الأحوال
أومأ إبراهيم عليه السلام برأسه بالإيجاب ولم يلتفت ...ظل في طريقه...وهنا كانت المفاجأة المدوية...هنا كانت الملحمة العقائدية المروعة...تعودنا نحن بمكوناتنا الدنيوية القابعة في الطين أن نثور وأن نغضب وأن نعلن إعتراضنا وتأففنا...ولم لا والموقف ينظر إليه من لايفهم أنه موقف ظلم وإفتراء و إذا شهد الناس جميعهم إلا من عصم ربي لشهد بهذا الظلم الموهوم ....ولكنها مدرسة النبوة...تجلت فيها هاجر عليها السلام وردت علي إبراهيم أروع ردٍ يقال في مثل هذه الظروف
قالت هاجر بقلب المرأة المؤمنة : إذاً لن يضيعنا ربنا
وسار إبراهيم عليه السلام في طريق عودته وتركهما (عليهما السلام  ) في وادٍ ليس فيه زرع ولا ماء ولا بشر
وظلت هاجر علي مامعها من جراب التمر وسقاء الماء حتي إنتهيا
ولم تدري ماذا تفعل ؟
وماذا تفعل المرأة في مثل هذه الأحوال؟... لاسبيل لها ولا مخرج
تحركت هاجر عليها السلام بمشاعر أم وقلب مؤمن تبحث عن طعام وشراب لإسماعيل ولها...نظرت عن يمينها فلم تجد ونظرت عن شمالها فلم تجد...بدأت تنظر إلي السماء وتتوجه بالدعاء إلي الله جل في علاه... ولم يكن هذا إلا اختباراً منه سبحانه وتعالي لهاجر عليه السلام لترتقي بإيمانها . فالقادم أصعب وتحتاج فيه هاجر إلي عقيدة سليمة تستجلب بها الفتح من الله سبحانه... فرأت سراباً وكأنه ماء عند جبل الصفا فهرولت إليه فلما وصلت إليه لم تجده شيئاً ...دارت بنظرها يمنة ويسرة فلمحت هناك عند جبل المروة سراباً وكأنه ماء فهرولت إليه حتي اذا ماوصلت هناك لم تجده ماءً...لكنها بحس المؤمنة تعلم تماما أن الله لن يتركها فيتجدد عندها الأمل ,,وهكذا ظل الأمل يتجدد في سبع مراتٍ بين الصفا والمروة في كل مرة تشعر فيها أن الله سيخرجها مما هي فيه ويرزقها ماءً وطعاماً هي وولدها...وهناك إسماعيل بالقرب من قواعد البيت الحرام يبكي تألما من الجوع والعطش...وهنا جاء الفتح من الله الذي يملك أمر كل شئ...فبيده الرزق وبيد ه مقاليد كل الأمور سبحانه...لم يخرج الله تعالي الرزق لهاجر عليها السلام تحت قدميها لتمام وصول الفائدة العقائدية لهاجر عليها السلام ولتعلم ان الله جل في علاه علي كل شئ قدير....خرج الرزق هناك من بين يدي وتحت أقدام إسماعيل الطفل الرضيع الضعيف الذي لايملك سعياً كأمه ولا يملك إلا التوكل الفطري علي الله جل في علاه...حتي لاتظن هاجر عليها السلام أنها هي من دبت الأرض بقدميها فأخرجت الرزق من تحت قدميها...لا ، فهاهو الرزق يخرج من يدي وقدمي مخلوق ضعيف لايملك من أمره شيئا...إنها قدرة الله عز وجل .
إنتبهت هاجر عليها السلام إلي صوت يندفع فنظرت يمنة ويسره ثم نظرت إلي مكان إسماعيل عليه السلام حيث وضعته فوجدت الماء ينبع من تحت قدميه...سارعت تجري إلي هناك...
تري هل هو سراب أيضا مثلما رأت عند الصفا والمروة...أبداً فقد وجدته ماءاً فعلاً يندفع بقوة....ونظراً لحساسية الموقف وخوفها أن يضيع الماء سدى أخذت تحيطه بيديها وتضمه إليها وهي تقول زم زم ....أي بمعني ضم إلي ولا تتهدر...سبحان الله فجر لها بئراً خرج منه الماء عذب رائع الطعم وكأنه حليب طازج ..
لم تدري هاجر عليها السلام أن هذا الماء كان لها سقاءً وغذاءً ...فقد كانت فيه كل مقومات التغذية التي يحتاجها جسم الإنسان ...وهكذا عاشت هاجر ومعها إسماعيل عليهما السلام في نعم الله وفضله يتنعمون بنعمته حتي فاجأهم إبراهيم عليه السلام بزيارة غير متوقعة وجاء إلي هاجر عليها السلام بطلب هو الأغرب من نوعه والأعجب في شكله...جاء إليها إبراهيم عليه السلام يطلب ولدها للذبح...
يالهول المفاجأة المدوية
إنه ولدها الوحيد...من عانت من أجل أن يعيش معها في هذا الوادي السحيق وذهب إبراهيم عليه السلام إلي إسماعيل وهو غلام لم يتجاوز العاشرة يعرض عليه الأمر...إنه ليس أي أمر...إنه سلب حياة....وليس بأي طريقة بل بالذبح
يالقسوة الموقف علي قلوب الثلاثة عليهم السلام
هذا إبراهيم من أنجب بعد طول حرمان وبعد أن بلغ به العمر عتيا وهذا ولده الحبيب إلي قلبه يالهول الموقف وشدته ،
وهذه أمه وكلنا يعلم ما الأم وكيف حنوها وتضحيتها بكل غالي ونفيس من أجل أولادها
إنه قلب أم
وهذا هو إسماعيل عليه السلام غلام في العاشرة يحب الحياة ويلهو يلعب في ملكوت الله إنه يحب الحياة
إنه غلام ولكن ليس كأي غلام
رأي إبراهيم عليه السلام رؤية في منامه...
إنها ليست مجرد رؤية...لأنه عليه السلام يعلم أن رؤيا الأنبياء حق فقد يكشف الله فيها الغيب لأنبيائه ورسله...
رأي أنه يذبح إسماعيل عليه السلام في هذه الرؤية...
فلم يتواني ولم يفكر بل ذهب لتنفيذ أمر الله جل في علاه...قطع المسافات وطوي الأرض سفراً كي يحقق مراد الله سبحانه وتعالي
لقد إتخذ إبراهيم عليه السلام ربه سبحانه خلاً ولم يجعل لغيره رفيقاً معه في دربه فأبي الله العلي القدير أن يكون هذا الأمر إلا باختبار...
فلما أحب إبراهيم عليه السلام هاجر التي أنجبت له ولده
إختبره ربنا تعالي في خلته لهما فأبعدهما عنه للبلوى ,وليحقق إبراهيم معني التضحية من أجل ان لايكون غير الله في قلبه خلاً...ثم هاهي تضحية أخري من الجميع وخاصة إبراهيم عليه السلام ليثبت هذه الخلة ويؤكد انه لاخليل له الا الله فيأمره ربه بذبح إسماعيل عليه السلام...لا لأن الله يريد دم إسماعيل ولا أن يعذب قلب إبراهيم عليه السلام ولكن ليختبره في خلته له سبحانه فاستجاب إبراهيم عليه السلام وقبل التضحية وذهب لينفذ...
ولكن لأنه يريد أن يحظي إبنه المأمور بذبحه الأجر كاملاً وهو من رباه في مدرسة النبوة عرض عليه الأمر لتكون الإستجابة مأجورة وليست قهراً...فلم يكن من إسماعيل عليه السلام إلا أن قال لأبيه... (قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاءَ اللَّهُ منَ الصَّابِرِينَ ) ...إنها أمثلة ولا أروع ونماذج ولا أجمل من العلاقات الاجتماعية التي تعجز البشرية جمعاء أن تكررها إلا أن يشاء الله..
قال تعالى :"فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِن شَاء اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ )
وللحديث بقية إن شاء الله
……..

عصام قابيل


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016