ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
قلنا فى ميزان الحقوق , أن حق الله سبحانه وتعالى على عباده , هو الحق الأعظم على الإطلاق , وهو قاعدة الميزان وقوائمه , به ينتصب الميزان , وبدونه ينعدم فتصبح الحياة الدنيا ظلما وظلمات , وكذلك تكون آخرة العبد , ظلمات متراكبة , وعذاب شديد وأليم ومهين
(( وَمَنْ كَانَ فِي هَذِهِ أَعْمَى فَهُوَ فِي الآخِرَةِ أَعْمَى وَأَضَلُّ سَبِيلا )) ( 72 ) الإسراء
وقلنا أنه من لم يقم ميزان الله فى الدنيا , فلا ميزان له فى الآخرة .
ونتابع ميزان الحقوق , وفقا لتدرج عِظمها , فبعد حق الله سبحانه وتعالى , يأتى حق أنبيائه ورسله عليهم السلام .
( 2 ) حق الأنبياء والرسل عليهم السلام
لابد من المعرفة والإقرار أن
الأنبياء والرسل , هم صفوة الخلق من البشر , وأفضل الخلق قاطبة , لكمال إيمانهم , وصدق يقينهم , وحسن عبادتهم لربهم , وعظيم أخلاقهم وشمائلهم , ولبلوغهم الغاية فى كمال معرفتهم بالله ربهم , ذاتا وأسماءا وصفاته وشرعا ,
ولإحسانهم إلى الخلق بدعوتهم إلى ربهم , وبرحمتهم بالناس وصبرهم عليهم
حال دعوتهم إلى ربهم , وبذلهم كل ما يملكون فى سبيل إعلاء كلمة الله تعالى , ولكى يكون هو المعبود وحده لا شريك له .
(( قل الحمد لله وسلام على عباده الذين إصطفى )) سورة النمل
ثم نأتى إلى حقوق الأنبياء والرسل عليهم السلام
1ـــ الإيمان بهم جميعا , وتصديقهم تصديقا جازما , فلا يجوز الإيمان ببعضهم دون البعض , أو الإيمان بهم والكفر بأحدهم , فالكفر بأحدهم هو كفر بهم جميعا
(( "لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ" ))
سورة الحديد
يقول الله تعالى فى سورة البقرة
"آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنزِلَ إِلَيْهِ مِن رَّبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّن رُّسُلِهِ" ))
ويقول أيضا فى سورة البقرة
(( قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ" )) .
وبهذا نعلم أن التكذيب لرسول واحد يعتبر كفراً بجميع الأنبياء والمرسلين، فمن آمن بموسى -عليه السلام- ولم يؤمن بعيسى فهو كافر، وهكذا من آمن بموسى وعيسى ولم يؤمن بمحمد صلى الله عليه وسلم فهو كافر، لأن موسى وعيسى عليهما السلام أخبرا برسالة محمد صلى الله عليه وسلم وبشرا بنبوته، فالكفر بمحمد صلى الله عليه وسلم تكذيب لموسى وعيسى عليهما السلام، وكفر بالتوراة والإنجيل، وهكذا سائر الأنبياء والمرسلين، فنعتقد أن رسالتهم حقاً من عند الله تعالى، وأنهم لم يأتوا بشيء من عند أنفسهم بل كل ما جاؤوا به فهو من عند الله تعالى
ويتلخص الإيمان فى الآتى موجزا :
تصديق نبوتهم ورسالتهم نظراً لما جاؤوا به من المعجزات الباهرة والشرائع العظيمة والأخلاق الكريمة , و تصديق ما أخبروا به عن غيرهم من الأنبياء والمرسلين ممن سبقهم أو سيأتي بعدهم وغير ذلك من الأخبار التي أخبروا بها, وتصديقهم فيما أخبروا به من نسخ الشرائع السماوية كلياً أو جزئياً، فإن الله تعالى يشرع في كل زمان ومكان ما يريد من العبادات والشرائع حكمة منه ورحمة بالخلق،تصديقهم فيما أخبروا به من أمور الغيب سواء في الدنيا أم في الآخرة من وجود الملائكة والجن، وكذلك ما يحصل بعد الموت من البعث والنشور والجنة والنار.
2- موالاتهم ومحبتهم وتوقيرهم ونصرتهم
نظراً لما قدمه الأنبياء والمرسلون من نعمة عظيمة للبشرية وسعوا في إنقاذها من الشرك والضلال وبصروا الناس بأمور دينهم ودنياهم، فالواجب علينا نحو الرسل , بل حقهم هو محبتهم وتوقيرهم واحترامهم، وأن نعتقد أن محبتهم دين وإيمان، وأن بغضهم كفر ونفاق وزندقة، بل يجب علينا محبتهم وموالاتهم ونصرتهم أحياءً وأمواتاً، وإن من مظاهر موالاتنا ومحبتنا لجميع الرسل أن ندعو إلى ما دعوا إليه من عبادة الله وحده لا شريك له، وإلى التحلي بمكارم الأخلاق والبعد عن الأخلاق السيئة، وأن ندافع عنهم ونرد كل ظلم واعتداء واستهزاء في حقهم بل نحاكم كل من يسيء إليهم ونعاقب كل مكذب لهم.
3- الانقياد والعمل بدعوتهم:
ومما يجب علينا نحو أنبياء الله ورسله الانقياد لما جاؤوا به والعمل بما دعوا إليه من توحيد الله وعبادته وحده لا شريك له، والإيمان باليوم الآخر وما يقع فيه من الحساب والجزاء، والجنة والنار، والاستعداد لذلك بالعلم النافع والعمل الصالح. وكذلك ما دعوا إليه من الأخلاق الفاضلة والمعاملة الحسنة كالدعوة إلى الصدق والأمانة والعدل والرحمة والبعد عن الكذب والخيانة والظلم.
ومن ذلك العمل بالشرائع الناسخة للشرائع الأخرى التي أخبروا بها كما فعل عيسى عليه الصلاة والسلام، حيث نسخ بعض أحكام التوراة، وكذلك جاء محمد صلى الله عليه وسلم فنسخ كثيراً من أحكام التوراة والإنجيل، بل نسخت شريعته جميع الشرائع السابقة، فلا يقبل من أحد إلا ما جاء به محمد صلى الله عليه وسلم.
4- الحذر من تكذيبهم ومعصيتهم:
ومما يجب علينا نحو الأنبياء والمرسلين أن نحذر من تكذيبهم فيما أخبروا به ودعوا إليه من الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر. وكذلك مخالفة أوامرهم ومعاداتهم، قال تعالى: (( "مَن كَانَ عَدُوّاً لِّلّهِ وَمَلآئِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللّهَ عَدُوٌّ لِّلْكَافِرِينَ" )) سورة البقرة
إن تكذيب الرسل عليهم الصلاة والسلام ومعصيتهم هو تكذيب وعصيان للخالق سبحانه وتعالى فهو الذي أرسلهم، بل طعن في الرب تبارك وتعالى، إذ كيف يخلق هذه البشرية على وجه الأرض ثم يتركها بدون هداية وإرشاد وبيان.. فلا يعرفون من خالقهم، ولا لماذا خلقوا، ولا كيف يعيشون على هذه الحياة، ولا يعرفون لماذا يموتون، وما هو المصير بعد الموت.
كل ذلك لا ينبغي في حق الله الحكيم الرحمن الرحيم، بل ذلك تنقص في حقه عز وجل ونسبة له إلى الظلم، إذ كيف يحاسب الناس يوم القيامة على عبادته وطاعته قبل أن يبعث إليهم من يخبرهم بذلك تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً. قال تعالى:"وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً" (8)، وقال تعالى:"رُّسُلاً مُّبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ" (9).
فتكذيب الرسل هو تكذيب لله جلا وعلا , تعالى الله علوا كبيرا , وجحود به سبحانه .
(( قد نعلم إنه ليحزنك الذي يقولون فإنهم لا يكذبونك ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون ( 33 ) ولقد كذبت رسل من قبلك فصبروا على ما كذبوا وأوذوا حتى أتاهم نصرنا ولا مبدل لكلمات الله ولقد جاءك من نبإ المرسلين )) سورة الأنعام
ونتابع بمشيئة الله تعالى ميزان الحقوق , والله المستعان والموفق , وهو الهادى إلى سواء السبيل
................
رضا فهيم