ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كان من رحمة الله تعالى بالإنسان , أن وضع له منهجا يعيش به ويموت عليه , وضعه سبحانه وتعالى حتى قبل خلق الإنسان .
يقول الله تعالى فى سورة الرحمن ,
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
(( الرَّحْمَنُ (1) عَلَّمَ الْقُرْآنَ (2) خَلَقَ الْإِنْسَانَ (3) عَلَّمَهُ الْبَيَانَ (4) الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ بِحُسْبَانٍ (5) وَالنَّجْمُ وَالشَّجَرُ يَسْجُدَانِ (6) وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِيزَانَ (7) أَلَّا تَطْغَوْا فِي الْمِيزَانِ (8) وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَان ))
علم القرآن للإنسان المستخلف , ويسر له تلاوته ومعناه , والعمل به , وإتخاذه دربا للحياة , وجعله متضمنا لميزان الحقوق , إجمالا وتفصيلا ,( والسماء رفعها ووضع الميزان ) , حدد الرحمن كليات الميزان , فى يسر وإحكام , وفصل جزيئياته فى أروع بيان .
يقول تعالى فى سورة الشورى (( اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ ))
ويقول تعالى فى سورة الحديد ((لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ )) .
فما هو الميزان الذى وضعه الرحمن بعد رفع السماء ؟! وما هو الميزان الذى نزل مع كل كتاب أنزل على الرسل والأنبياء ؟
نقول وبالله التوفيق , إنه ميزان الحقوق , الذى قامت به السموات والأرض , وإستخلف به الإنسان فى الحياة الدنيا , وبه وعليه تقوم القيامة فى الآخرة .
وتتدرج حقوق الميزان فى المراتب والمنازل , وأعظمها على الإطلاق , حق الله سبحانه وتعالى على عباده , وبه بمشيئة الله تعالى نبدأ .
( 1 ) حق الله سبحانه وتعالى على عباده
وفى إختصار غير مخل , وتبسيط غير مضيع لأهداف الموضوع نقول
إنه هو الحق الأعظم , للخالق على المخلوق , وللرازق على المرزوق , وللرب والإله والسيد , على العباد والعبيد .
حقه سبحانه وتعالى فى أن يُعبد , ويُطاع ويُشكر , وله يُخضع , وأن يُمجد ويُسبح , حقه العظيم سبحانه وتعالى
فى الا يُشرك به شيئا أو أحدا , وألا يُتخذ معه شريكا ولا ندا , وألا تُكفر نعمه , ويُجحد شكره .
(( يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (21) الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِرَاشًا وَالسَّمَاءَ بِنَاءً وَأَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَكُمْ فَلَا تَجْعَلُوا لِلَّهِ أَنْدَادًا وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ )) سورة البقرة
ويقول
(( أَمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا بِهِ حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا أَءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ} [سورة النمل،60)
فالله تعالى هو الخالق للإنسان , وللسموات والأرض , ومسخر الشمس والقمر ,والليل والنهار
ومنبت الزرع والشجر , ومنزل الغيث والمطر , يغيث الملهوف , ويشفى المريض .وهو الرازق لكل عباده
يُجيب دعاء المُضطر , ويكشف السوء ويرفع البلاء , يحيى ويميت , ويثيب ويعاقب , وما كان له سبحانه وتعالى أن يترك خلقه دون بيان كافى وشافى , لسبب خلقهم , وللمطلوب منهم , ودون أن يضع ميزانا يحكم أقوالهم وأفعالهم .
(( أَمْ مَنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذَا دَعَاهُ وَيَكْشِفُ السُّوءَ وَيَجْعَلُكُمْ خُلَفَاءَ الْأَرْضِ أَئِلَهٌ مَعَ اللَّهِ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ)[النمل/62) .
ويقول تعالى ((أَمْ مَنْ يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَمَنْ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْض أءِلَهٌ مَعَ اللَّهِ) [النمل/64))
فما بين خلق الله للإنسان نفسه , وخلق الكون العظيم بما فيه , وتسخيره للإنسان فى خلافته الأرضية , وإسجاد الملائكة له , وبعث الرسل له , وإنزال الكتب عليهم .
يكون إتخاذ ند لله أو شريك , أو التنقص من ذاته سبحانه وتعالى , بإلحاق صاحبة به أو ولد , ظلم عظيم , وإضاعة لقاعدة وقوائم الميزان نفسه
(( إن الشرك لظلم عظيم )) لقمان
عَنْ عَبْدِ اللَّهِ ، قَالَ : قُلْتُ " يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ ؟ قَالَ : أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : أَنْ تَقْتُلَ وَلَدَكَ خَشْيَةَ أَنْ يَأْكُلَ مَعَكَ . قَالَ : قُلْتُ : ثُمَّ مَاذَا ؟ قَالَ : أَنْ تُزَانِيَ حَلِيلَةَ جَارِكَ " .
وعَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ -رَضِيَ اَللَّهُ عَنْهُ -قَالَ:» كُنْتُ رَدِيفَ اَلنَّبِيِّ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَلَى حِمَارٍ فَقَالَ لِي يَا مُعَاذُ؟ أَتَدْرِي مَا حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ، وَمَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ؟ قُلْتُ اَللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ حَقُّ اَللَّهِ عَلَى الْعِبَادِ أَنْ يَعْبُدُوهُ، وَلا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَحَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اَللَّهِ أَنْ لا يُعَذِّبَ مَنْ لا يُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا، قُلْتُ يَا رَسُولَ اَللَّهِ أَفَلا أُبَشِّرُ اَلنَّاسَ؟ قَالَ لا تُبَشِّرْهُمْ فَيَتَّكِلُوا) متفق عليه )
إن إضاعة العبد لحق الله تعالى فى التوحيد والعبادة , وجحود نعمه ,
والإشراك به , وإتخاذ أندادا من دونه سبحانه وتعالى , إضاعة لقوائم الميزان الموضوع من الله لعباده فى الارض , ولا ميزان لفاعله فى الآخرة , فليس بعد الشرك أو الكفر ذنب
يقول الله تعالى فى سورة الكهف
(( قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا (103) الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا (104) أُولَئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآيَاتِ رَبِّهِمْ وَلِقَائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فَلَا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وزنا )) .
ويقول تعالى ( ومن كان فى هذه أعمى فهو فى الأخرة أعمى وأضل سبيلا )) الإسراء
ونتابع بمشيئة الرحمن كليات الميزان , تبعا لعظمها , مع بعض تفصيل ولو قليل , والله تعالى أجل وأعلى وأعلم
........
رضا فهيم