مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

إنْ هي إلَّا أسماء ........ قصة قصيرة للأديب / محمد شعبان



" استطاعت ( صابرين ) هذه المرة بحركة بهلوانية أن تفلت من بين يديه القويتين القابضتين على عنقها ساعدها تَعرُّق يديه ،فابتعدت قليلا ،وقفزتْ إلى أعلى كأخف من فراشة .. أتعبت همةُ القطةِ همجيةَ هذا الغول .. لم يستطع أن يُحكم قبضتَه عليها مثل كل مرة .. أشعرته أنَّ لديها إمكانات دفاعية تستطيع أن توقف هجومه المستشرس عليها، وأنها لن تسكت على تلك المعاملة السيئة بعد الآن .... "
ذلك كان جزءا من قصة بعنوان ( صابرين ) لذلك الكاتب الموهوب الجالس عن يميني قدمه في اللقاء السابق بين يدي مجموعة ممن يُعدون أنفسهم أدباء وشعراء هنا في ( الملتقى الأدبي الأسبوعي )، وهم في حقيقة الأمر عالة على موائد الأدب، أكثر ما يمكن أن يقال على أَجلِّهمْ شأنا أنه بالكاد يفك الخط .. بدا ( ماهر ) وهو يقرأ قصته منبسطةً أساريره وكأنه طفل أعدَّ مفاجأة يؤكد لنا بها أنه أصبح رجلا يُعْتمد عليه ويترقب رد فعلنا المعجب بهذه المفاجأة وكلمات تشجيعية وما إلى ذلك ،لم تفارق الابتسامة وجهه بعد القراءة يشعر أنه قدم أفضل ما لديه .. وجدتُ فيه مهارة كتابية وثَّابة ومتطلعة وتهيمن على كل الأدوات، لكن الوجوه من حوله رأت غير ذلك ... من أول حرف نطقه كانت ممتعضة مقطبة ، أحدهم يهدي ابتسامة صفراء مرسلا نظره إلى الأرض وهذا منشغل بإخراج أوراق يرتبها لأنه سيقرأ بعد ذلك ، وآخر يسكب ثرثرته في أذن من بجواره ، وآخر ..... على الفور، وبعد انتهاء القراءة ـ وحتى أثناء القراءة ـ فوجئ المسكين ( ماهر ) بوابل من التوقيفات والانتقادات المثبطة ... :ـ النص يحتاج إلى إعادة صياغة لغوية .. :ـ النص مهترئ ومعانيه فجَّة .. :ـ النص مترهل ويمكن تكثيفه .. :ـ لم يستخدم علامات الترقيم ..... ، وتعجبت، كيف عرف هذا الغفْل أن ( ماهر ) لم يستخدم علامات الترقيم مع أنه لم يرالورق ؟! ، أسلوب ( ماهر ) في القراءة راعى استعمال التأثير الصوتي على المستمع يرفع صوته تارة ويخفضه أخرى يعرف متى يقف ومتى يبتدئ يتماوج مع تسلسل الأحداث والسرد حتى لا يمل السامع ، وقلت في نفسي حينئذ ـ وأنا أتوقع كل ردود الفعل هذه عليه ـ :ـ ليتك يا بني اخترتَ نصًّا لإله من آلهة الأدب المقدسة التي لا معقب لكلامها من هؤلاء الصعاليك ... يقرؤون لها ويسلمون بكتاباتها كأنها كتب منزلة ...
طَفَتْ على وجه المسكين الصغير علامات حزن وقال بصوت يخنقه اليأس وعينه المترعة بالدمع تستجدي أدعياء الأدب :ـ أتسمحون لي بقراءة نص آخر لعله يكون أفضل من هذا ... جذبتُه إليَّ بيدي اليمنى، وربت على كتفه بابتسامة مشفق قائلا :ـ حسبك .. يكفي هذا لليوم ـ يا بطل ـ فخبطتان في الرأس توجعان ـ قلتها وأنا أنظر للجميع رافعا صوتي بضحكة ملأت جنبات المكان ـ ،ثم اقتربت منه وأردفت قائلا :ـ افعل ما سأقوله لك ..
أما اليوم فقد جاء يحدوه أمل جديد يبدو .. واثقًا أكثر .. جلس حيث يراه الجميع، وجاءت جلسته لجوارى أيضا.. منتفخٌ صدره .. متسعةٌ حدقتاه يوزع النظرات على الجميع بابتسامة وجه مشرق ينتظر دوره في الإلقاء .. أشرت إليه بكفي بإشارة فهم منها أني أستفسرعن مدى استعداده لما اتفقنا عليه اللقاءَ السابق، فهزَّ رأسَه مُرسِلا إبهامَهُ مؤكدًا أنه مستعد .. هيا يا بطل هذا دورك .. انطلق .. بدأ كلامه قائلا :ـ لقد نصحني أحد الأدباء الكبار بأن أبدأ أوَّلا كقارئ جيد قبل أن أثبت أنني كاتب جيد ، ولقد قرأتُ ـ من بعد إذنكم ـ نصًّا مترجمًا للكاتب العالمي ( جونتر ليو براون ) بعنوان ( كريستينا ) هل تسمحون لي بقراءته ؟ ...
:ـ طبعا طبعا .. :ـ اقرأ .. :ـ هذا أفضل بكثير ..
" ...... لَحِقَتْ كريستينا القطار أثناء تحركه بعدما قطعت كل هذه الأميال مشيًا مجتازةً بقدمين خائفتين مرتعشتين حقول قرية ( سان ليتان الاستوائية ) حيث ينجلد فلاحوها المستعبَدون بسياط الهجير ، يدفنون آمالهم تحت أطباق الطين الأسود الخانق، آملين أن تجود الأيام القادمة عليهم بما هو أفضل .... " ... وعندما أنهى ( ماهر ) نصه المنقول المترجم في صمت وسكون جميع أدعياء الأدب انفجروا جميعا تصفيقا للأدب العالمي المترجم .. تشي أعينهم بانبهار وذهول من روعة الأحداث وجمال الوصف لطبيعة قرية ساحرة .. وصف جاء دقيقا وكأنهم يرون قرية ( سان ليتان ) رأي العين ويسيرون بجانب كريستينا ذات العينين الزرقاوين كموج محيط هادئ، تدغدغ أسماعهم أجراس الكنيسة ، وتدوخهم طواحين الهواء ،وتسحرهم شعورالفلاحات الشقراوات وقد انسبلت على جباههن وأعناقهن ، فجلسوا وكأن على رؤوسهم الطير يحملقون لفم ( ماهر ) دون أن ينبس أحدهم ببنت شفه ...وبعدها أمطروا ( ماهر ) بوابل جديد لكن هذه المرة من المدح والثناء .. :ـ هذا هو الأدب يا ( ماهر ) ... :ـ أحسنت الانتقاء يا ( ماهر ) ....... وأنا قابع في نفسي بين أكوام الفتنة التي كونها إعجابهم متسائلا :ـ ما الذي جعل من هذا الـ ( جونتر ليو ) عالميا غير ثلة من الأدعاء أمثال هؤلاء ... هَمَسْتُ في أذن ( ماهر ) :ـ أرأيتَ يا صديقي ؟! ..لم يميز أحدهم بين كتابتك و كتابة هذا العالمي الذي لم أسمع عنه من قبل ههههههه .
:ـ هل أخبرهم ـ يا أستاذي ـ أنني كاتب نص ( كريستينا) ؟
:ـ لا لا .. يكفي ـ يا صديقي ـ ما أثْبتَّه أنتَ لنفسك حتى الآن !

....................
محمد محمود شعبان 


التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016