وجلست أتخيل نفسي وأنا أعبر الصراط ، انتابتني قشعريرة شديدة ، هل سأستطيع المرور فوقه ، وهو كحد الشفرة ، شيئ عجيب حقا !
تخيلتني أعبره ؛ وكلاليب النار تتخاطفني ، وتخيلت أنني سأدخل النار بمعاصي الكثيرة ، ودخلت النار ؛ وجدتني اتقلب في طبقات ؛ حرارتها شديدة ، ويذوب مني الجلد ، وأصرخ مع من يصرخون ، ولكنني كنت اشعر انني مميز عمن حولي ، لقد كنت اسجد لله تعالى ، وتحسست مكان السجود فوجدته كما هو لايحترق، انتابني أمل كبير أن هناك امرا ما ، ولكن متي ؟ إنني أصرخ ليل نهار , وسمعت من معي في النار يدعون مالكا ؛ ليتحدثوا إليه ، وجاءهم مالك ؛ فقالوا له: يامالك ليقضي علينا ربك !
غاب عنهم مالك ألف سنة منهم ، اليوم بألف سنة من عددنا ، ثم يعود ويقول لهم : إنكم ماكثون !
اشتد الصراخ ، وزاد العويل ، وهم يتألمون ، فقال لهم مالك : اخسئوا فيها ولا تكلمون .
أصبحوا يكتمون مافيهم من الألم ؛ حتي تحمر الخدود وتذوب؛ ثم تتبدل الجلود ؛ وبعد فترة لاأعلم عددها ؛ وجدت ربي يأخذ من النار بيديه كثير من أهل النار ، وأنظر إلى نفسي ، أنا لست فيهم .
وأنا أتألم ألما شديدا ، ولكن ينتابني الأمل أن أكون من شفعاء الله؛ الذين يأخذهم بيديه سبحانه وتعالى؛ حتي جاء يوم وقد تفحمت تماما ، ولم يبق مني إلا موضع السجود ؛ وأخذني ربي خارج النار، وغسلني سبحانه ، وأزال عني التفحم ، وجلست اتذكر حديث رسول الله - صلي الله عليه وسلم - عن عبدالله بن مسعود رضي الله أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال: ((آخر من يدخل الجنة رجل، فهو يمشي مرة، ويكبو مرة، وتسفعه النار مرة، فإذا ما جاوزها التفت إليها، فقال: تبارك الذي نجاني منك، لقد أعطاني الله شيئاً ما أعطاه أحداً من الأولين والآخرين، فترفع له شجرة، فيقول: يا رب، أدنني من هذه الشجرة فلأستظل بظلها، وأشرب من مائها، فيقول الله عز وجل: يا ابن آدم لعلي إن أعطيتكها سألتني غيرها؟ فيقول: لا، يا رب ويعاهده أن لا يسأله غيرها، قال: وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة هي أحسن من الأولى، فيقول: أي رب، أدنني من الشجرة لأشرب من مائها وأستظل بظلها، لا أسألك غيرها فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ فيقول: لعلي إن أدنيتك منها تسألني غيرها؟ فيعاهده أن لا يسأله غيرها، وربه تعالى يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فيستظل بظلها، ويشرب من مائها، ثم ترفع له شجرة عند باب الجنة، وهي أحسن من الأوليين، فيقول: أي رب أدنني من هذه لأستظل بظلها، وأشرب من مائها، لا أسألك غيرها، فيقول: يا ابن آدم، ألم تعاهدني أن لا تسألني غيرها؟ قال: بلى، يا رب لا أسألك غيرها – وربه عز وجل يعذره، لأنه يرى ما لا صبر له عليه، فيدنيه منها، فإذا أدناه منها سمع أصوات أهل الجنة فيقول: أي رب أدخلنيها، فيقول: يا ابن آدم، ما يصريني منك، أيرضيك أن أعطيك الدنيا ومثلها معها؟ قال: يا رب، أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فضحك ابن مسعود، فقال: ألا تسألوني مم أضحك؟ فقالوا: مم تضحك؟ قال: هكذا ضحك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: مم تضحك يا رسول الله؟ فقال: من ضحك رب العالمين، حين قال: أتستهزئ مني وأنت رب العالمين؟ فيقول: إني لا أستهزئ منك، ولكني على ما أشاء قادر)) أخرجه مسلم
..........
عصام قابيل