بكتْ هندُ حتَّى شفَّ جسمي ضمورُها
عشية قالوا: غزة من يجيرُها
عشيةَ ما الغاراتُ إلا قيامةٌ
وما الطرق والساحات إلا سعيرها
بلا رحمة يسَّاقط الموت فوقَها
فتلك بيوتُ الناس فيها قبورُها
تطيشُ بها الألباب؛ فالناسُ يستوى
أمام البلايا : شيخُها وصغيرُها
ترى النَّاس-من هولٍ-سكارى وما بهم
من الخمر... إلا الحرب جُنَّتْ شرورها
وما راعنى فيها سوى وجْهِ طفلةٍ
تحيَّر مَمْشاها وغُمَّ مصيرها
تضيقُ بها من شدِّةِ الخوف أرضُها
وتُنكرُها أعْشَاشُهَا ووكورُها
فلا أمَّ من رعْبٍ تهدِّئُ رَوْعَها
ولا أبَ من فيض الحنان يميرُها
تدورُ من الأهوال دهشى عيونُها
فتجرى وريحُ الموت يعلُو صفيرُها
تقاذفُها السَّاحاتُ مُلتَاثةَ الخُطَا
تمدُّ يدا بالسلم يهفُو حريرُها
فتلحقُها والجَهْدُ ينزِعُ نفْسَها
شظيَّةُ غَدْرٍ شقَّ قلبي زفيرُها
فيا لهفَ نفسي حين ماتتْ قَتيلةً
وروَّى ترابَ الأرضِ منها عبيرُها
وكم مثلِها وارتْهُ أنْقَاضُ بيتِهِ
وكم دارِ قوم والأنين طميرُها
ومن عجب أن تغلى الأرض كلها
وتفهق من غيظ عليها قدورها
ونحن على الخذلان نرجو سياسةً
هزيلٌ مُرَجِّيها .. ذليلٌ نصيرُها
سياسة من ؟ والناسُ مسودَّةُ الرُّؤى
قُنُوطًا، وفوق الناس تنهد دورُها
سياسة من؟ والناسُ أضحوا قمامة
رمتْها على الساحات -هُونًا- دبورُها
سياسة من ؟ والقومُ داسوا رؤوسنا
ودار بكأس الذُّلِّ فينا مديرُها
ألا ألف أفٍّ للسِّياسة إنَّها
ألاعيب كهان تكشــــــَّفَ زورُها
كرامتُنا تحت النِّعالِ جريحةٌ
وحسرتُنا فى الحلْقِ مُرٌّ مريرُها
ووحدتُنا في كل أرض سفاهةٌ
يؤجِّجُ نارَ الجــــــــــاهلية زيرُها
يَدُوفُ لها كاس التمزُّقِ ربُّها
ويعزفُ ألحــــــانَ التلاحي خبيرُها
فنهرُبُ للأنفاق نبغي تواصلا
وقد عُدِمت بين القلوب جسورُها
تجمع من شتى الفجاج عدوُّنا
وملنا إلــــــــــى ريح الشقاق نُثيرُها
نطوِّق أعْناقَ الإخاء خيــــــانةً
فتنبتُ فى وجه الإخـــاء بثُورُها
ويغشى ظلامُ الشكِّ فينا رؤى المُنى
فيهربُ من خوف الملمات نُورُها
ولو أن أرضَ العُرْبِ تزأرُ أسدها
وتضــــــربُ آفاق السماء نسُورُها
إذن لانتهى هرْجُ القرودِ وأُرْغِمَتْ
ومُرِّغَ فى وحْل التراب غرورُها
...........
الشاعر / د . علاء جانب