صاح فيه محتدًا
- من الأفضل والأسلم لك أن تعترف بقتله
رفع رأسه المثقل بالضربات ، والتي كانت تأتيه من كل زاويةٍ تحيط به
- ولكني لم أقتله ، بل لم التق به في حياتي ...
لم تمهله أكفهم ليكمل ما بدأه ، كانت العصابة التي تعتصب عينيه تحول بينه وبينهم ، ويداه وساقاه المقيدان إلى المقعد الخشبي تمنع حركته .
أشعل المحقق الأمريكي لفافة تبغ ، ونفث باكورة إنتاجها في وجهه ، ثم تراجع قليلاً وقال بنبرةٍ هادئة
-كل الأدلة التي جمعناها تؤكد أنك القاتل ، فلا منفذ لك للفرار من العقوبة القصوى إلا ...
هتف كمن فاجأه ضوءٌ ساطع بعد ليلةٍ حالكة
- إلا ماذا يا سيدي
- إلا لو اعترفت بإرتكابك لتلك الجريمة الشنعاء ، حينئذ أضمن لك ألا تتجاوز العقوبة سنة واحدة ، وأنت بالفعل قضيت هنا رهن التحقيق ما يقارب نصفها ، ألا ترى أن أظافرك التي نزعنها من أصابعك قد نمت ، وأثار الحروق قد تلاشت من جسدك
تمتم منكسرًا
- وهل ما إقترفتموه بحق رجولتي قد عاد لي يا سيدي ؟!
ربت على كتفه بحنو ووداعة معتذرًا
- كانت تلك غلطتنا الوحيدة يا عزيزي ، ظننا أنك شاذ جنسيًا وربما يسُرك ما فعلناه
صمت قليلًا ثم أردف في زهو
- إحمد الله أننا لم نرسلك إلى معتقل جوانتانامو الرهيب ، ولعلمك أنا من عطلت نقلك إلى هناك ، فقد كنت على يقين أنك إنسان طيب ، وستعترف طواعيةً بالجريمة ، وها قد صدق حدسي فيك
أمرهم بفك الأغلال من معصميه ، أعطاه قلمًا باركر مذهب وورقة ، ألقى نظرةً عابرة على مادوّن فيها ، ثم التفت موجهًا سؤاله إلى الضابط
- العضابة لا زالت على عيني يا سيدي
أرتدى الضابط قناعًا وأمرهم بإرتداء أقنعتهم ثم يرفعوا العصابة عن عينيه ، ففعلوا ، وما إن أمسك الورقة بين يديه ، وهوت عليها نظرته ، هتف مذعورًا
- لا أفهم شيئًا يا سيدي ، فاللغة المدونة لا أعرفها ، وليست لغتنا الإنجليزية
- لا بأس إنما كتبنا إعترافك بهذه اللغة لا لشئ إلا لأنها لغة دولة القتيل ، سأترجمها لك قبل أن تقرأها .
رفع سماعة الهاتف وقال لمحدثه في فخر
- لقد اعترف يا سيدي بتفجير برج التجارة العالمي ، والمبنى الإداري في شيكاغو ، كذلك تفجير طائرة لو كيربي ، والملهى الليلي في ميونخ ، وقتل السياح اليابانيين في الأقصر .
..............
محمد البنا