ذات صباح ظنته كسائر الأيام خرجت على عجل ذاهبة لعملها ، ما أن خطت أولى خطواتها في الطريق حتى هالتها حالة الطقس الغريبة الغير متوقعة ، اصفرار في الهواء مشبع بحبات الرمال الدقيقة الضاربة الوجوه ، تنقرها في تحد مترصدة العيون والأهداب في إصرار ، أغلقت عينيها ووضعت يدها على أنفها اتقاء تسلل الغبار لرئتيها ، بعد لحظة تردد حزمت أمرها وقررت التحرك ، يكاد عواء الريح الهائجة يصم الآذان ، اشعرتها زمجرتها بالخوف والتردد (ما لك أيتها الريح ؟لماذا كل هذا الغضب؟ صبي جام غضبك على غيرنا ، فأرواحنا تئن ناضحة بأسقامها ) تنبهت فجأة لتلك الفكرة التي هيجت مشاعرها ، السيدة العجوز ، يوميا تمر عليها وهي مفترشة الرصيف بجانب محطة المترو ، تتابعها يوميا بما لا يزيد عن نظرات الشفقة ، كانت تتعجب دائما من تلك الابتسامة التي تبادر بها العجوز المارة ، تلك الإبتسامة التي حيرتها دائما ، بل واعملت نيران الغيرة في قلبها ( لماذا تبتسمين دائما ؟ أنى لك أن تسعدي وانت لا تملكين شيئا ؟ ماذا تري ولا أرى ؟) ، هذه المرة شعرت بالخوف على العجوز ، أسرعت الخطا قدر استطاعتها وهي تشق دفعات الريح الثقيلة التي زادت من كثافة الهواء حولها ، حاولت الوصول ببصرها لمكان العجوز ، لم تستطع التعرف على تفاصيل الكومة المرتعدة ، اقتربت مترقبة متخيلة العجوز شبه المتجمدة المغطاة بحبات الرمال الناعمة ، تعجبت من تلك الأصوات اللاهثة والأنات ، وازدادت تعجبا لسماعها صوت العجوز لاول مرة ، اتسعت حدقتاها وهي تقترب منها ، (يا الله) اختلطت مشاعرها فلم تدر بماذا عليها أن تشعر ، نظرت بدهشة للعجوز الجالسة ملتحفة أحد الأغطية البالية وقد تجمع بجوارها تحته عددا من الكلاب الضالة الخائفة ، تعوي الكلاب كلما اشتدت الريح فتربت على ظهورها مطمئنة فتستكين وتغمض أعينها ، وقفت مذهولة من المنظر ، تنظر للعجوز وكلابها قد خدرت أطرافها ، زاغ بصرها وهي تتابع هذا الكم من الدفء والحنان ، التقت نظراتها بنظرات العجوز فبادرتها الاخيرة بابتسامتها المعتادة ، ارتجف قلبها وتجمدت شفتاها فلم تستطع الابتسام واشاحت ببصرها في استحياء ، تدفق النبض لرأسها ، أعطت العجوز ظهرها و اكملت الطريق .
.........
إيناس سيد