مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

شاعرٌ يكتبُ مَرْثيَّتَه ...بقلم الشاعر المتميز / حسن عامر



سيموتُ في بلدٍ بعيدٍ شاعرٌ
سيجفُّ ريقُ نشيدِهِ، ويموتُ
في إحدى الليالي وهو يصلحُ نايَهُ ويصالحُ الأشياءَ،
وهو يشاركُ العصفورَ أغنيةً عن العشِّ البعيدِ،
يقودُ مملكةً من الفقراءِ والمُتَسَوِّلينَ
يجفُّ ريقُ نشيدِهِ ويموتُ
لا ظلٌّ أليفٌ تحتَ سقفِ عريشةٍ سيزولُ،
لا نهرٌ سيفقدُ في الطريقِ إلى المَصَبِّ صوابَهُ
سيغادرُ البوَّابةَ الكبرى وحيدًا خائفًا
يا أصدقائي كانَ ما لابدَّ أن يُحكى
عن القططِ الأليفةِ والأرانبِ قبل بدءِ الحربِ
قلتُ لكم كثيرًا
كانَ ما لابدَّ أن يُحكى عن الأشجارِ، أو حتى جحورِ النملِ
لكنَّ الرصاصةَ أفلتَتْ
والحربُ دارتْ،
قلتُ أمحو ما أشاعَ الموتُ من فوضى،
وأمسحُ عن جبينِ الأرضِ ما نَزَفَتْهُ من جثثٍ على الطرقاتِ،
أكتبُ قصةَ الأرضِ الجديدةَ مثلما يُملي عليَّ الشعرُ:
نبعٌ لا يجفُّ وحبةٌ من قمحِ أجدادي
سينتصرُ الربيعُ وتَعْقِدُ الأشجارُ هدنتَها مع الريحِ العدوَّةِ
قلتُ أرسمُ عاشِقَيْنِ على امتدادِ العشبِ
كي لا يُخْلِفَ الزيتونُ موسمَهُ
وكي يبقى الجميعُ هنا على طبقِ الطبيعةِ إخوةً

حاولتُ قدرَ المُسْتَطَاعِ
بكلِّ ما أوتيتُ من حزنٍ على وَتَرٍ يذوبُ،
بكلِّ ما أوتيتُ من صبرٍ على الزمنِ البطيءِ
على انتزاعِ الضحكةِ البِكْرِ البريئةِ من رَحَا أسنانهِ

للشعرِ
للبئرِ السحيقةِ في سهولِ الروحِ
للسهمِ المُدَبَّبِ في كِنَانةِ حارسِ الأشياءِ
للعطرِ المُفَاجِئ، للنجومِ مُسَخَّراتٍ حولَ خَصْرِ حبيبتي
ولهذهِ السٌّحُبِ التي في كفِّ أمي،
لارتعاشةِ صوتها
ولرقعةِ الأرضِ التي نَهَضَتْ من الطوفانِ
كنتُ أسوقُ أيامي
وأحملُ صرختي أو صخرتي
طوَّقتُ خاصرةَ الظلامِ
ونمتُ في حضنِ الشتاءِ الصَّعبِ،
نمتُ على رصيفِ محطةٍ دهرًا؛ فغادرني القطارُ
ومرَّتْ السنواتُ وانقَضَتْ الليالي
كلُّ عابرةٍ تدقُّ بحائطِ الأيامِ مسمارًا
تعلقُ فيه شهوتَها وتمضي
كلُّ من أحببتهنَ رحلنَ
ضاعتْ في الزحامِ وجوهُ أصحابي،
وفي ليل المدائنِ في مقاهيها كَبِرتُ،
وفي شوارعها نُسيتُ كأنني شبحٌ خفيٌّ لا يراهُ الناسُ،
لا تلقي عليهِ المشربيَّاتُ السلامَ، ولا الحوائط ظلَّها

الآنَ أشربُ قهوتي في الركنِ وحدي
بعدما انفضَّ الزمانُ،
ولَمْلَمَ الليلُ العجوزُ نجومَهُ
مُتَصَدِّعًا من خشيةِ الآتي
كأني قطرةٌ يمضي بها الشلالُ في صمتٍ إلى الوادي،
كأني قبضةُ الرملِ الأخيرةُ في يَدِ الريحِ الأخيرةِ
أو كأني راحلٌ أبدًا
تعدُّ الأرضُ قافلتي
وأحفظُ جيدًا عنوانَ كهفي في الظلام

.............
حسن عامر
 

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016