لا بُدَّ أنَّ البحرَ
وَهْوَ يسيرُ مُتَّجِهًا إلى ما لم يُدَوِّنْهُ الرواةُ على صخورِ الشطِّ
أغراهُ المُقَامُ هنا فنامَ
وفي الصباحِ صحا على إيقاعِ أقدامِ الصبايا
- ربما هو هاربٌ من ذكرياتٍ أو بلادٍ لا تحبُّ البحرَ -
قرَّرَ أن يظلَّ هنا
فكانتْ في الصباحِ اسكندريَّةُ
قلتُ للبنتِ الجميلةِ في مساءٍ مثل هذا
في شتاءِ مدينةٍ أخرى : أحبُّكِ
كانتْ الأبوابُ يومئذٍ بلا حرسٍ
وكانَ الوقتُ يجلسُ مُطْمَئِنًا مثل سيدةٍ ترشُّ القمحَ للطيرِ الغريبِ
كأنَّ أعمدةَ الشوارعِ شمعدانُ الليلِ
وَهْوَ يطوفُ بين الساهرينَ
كأنني وكأنَّها
قالت : أنا أيضًا أحبُّكَ يا ابنَ طميِ النيلِ
يا ابنَ ضفائرِ الصفصافِ والسَنطِ العفيِّ
ويا ابنَ صهدِ جنوبكَ القاسي
أحبٌّكَ أنتَ يا حادي مسيرِ النهرِ في الوادي
ويا خيَّالَ أفراسِ السماءِ البيضِ
يا خمَّارَ دمعتِها
وقالتْ : سوفَ تصحبُني إذن للبحرِ
أمي موجةٌ
وأبي من البحَّارةِ المُتَجَوِّلينَ
دَعَتْهُ أمي في ظلامِ الليلِ
في المدِّ الأخيرِ وأدخَلَتْهُ خباءَها
وتَضاجَعا في القاعِ بينَ ممالكِ المرجانِ
والسمكِ المُلَوَّنِ والمَحَارِ وأنجباني
ثم لمَّا عاثتْ الصحراءُ في الأرضِ اتساعًا
أرسلاني للسحابةِ بالرسائلِ والهدايا
هبَّ أعداءُ السماءِ وأسقطوني من على ظهرِ الهواءِ هنا
وكانَ أنْ التقيتُكَ
قلتُ ضميِّني
ففي عينيكِ بوصلةُ الجهاتِ وفي خطوطِ يديكِ خارطتي
وباسمِكِ تُفتحُ الأبوابُ
باسمِكِ يستعيدُ الصبحُ دولتَهُ فضميِّني
لنعبرَ هذه الصحراءَ ضميِّني
لنعبرَها معًا
لم أدرِ أنَّ سحابةً ستمدُّ أبيضَها وتشربُها
فتشربُني الليالي والشبابيكُ القديمةُ
والشوارعُ حين يذهبُ عابروها
كانَ يا ما كانَ
وانفضَّ الزمانُ
ولم يُدَوِّنْهُ الرواةُ على صخورِ الشط
.........
حسن عامر