مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

قراءة سريعة في قصيدة " الموت وأنا " للشاعرة / منى الغريب أعدها الناقد الأستاذ / محمد البنا


ما أرحم الموت حين يطرق باب الحياة مستأذنًا للدخول ..فلا نسمعه، وما أقسى الفراق حين يداهم اللقا في غفلةٍ ، فنذرف الذكريات دموعًا، لكنه لا يأبه ولا يبالي، وما أروع الشاعرة حين تضوي حروفها في نهاية قصيدتها...
خبط ملاك الموت
على باب الحياة
يستأذنك
فأذنت له
وخلفت وعدك ليا أنا
كت حجتك
مش كل غصن بدون ورق
معناها مات.....
ختام القصيدة ..أرى فيه مدخلًا جيدًا لقراءة نقدية، لما حواه بين دفتيه من عناصر ودعائم ارتكز علىها النص ومنها على سبيل المثال ..الموت / الحياة / الفراق / الوعد / النكوص عن الوعد / الغصن " الحبيب أو الحبيبة " / الأوراق " أيام العمر " ....
القصيدة البكائية مرثية جنائزية في فقيدٍ لم يمت بعد، وإن كان ملاك الموت يقف بالباب متأهبًا للدخول، فتحاول الحبيبية أن تهب حبيبها المحتضر من عمرها ليطول عمره، فيستمر عبير اللقا بينهما أمدًا أطول، وربما تناصفاه فماتا معًا [ الوعد ]...
علم بقلبك ع الورق
لملم دقايق عمرنا .....
نعم تذكر العمر الذي عشناه معا فهو عمرنا الحقيقي والذي في حساب الزمن الأبدي لا يتجاوز دقائق ، كم مضى منها ؟ وكم تبقى لنا ؟....
وأقف هنا
طب هات إيديك
هنا بين إيديا وضمها
إحساسي بيك
مش بس لحظة وعشتها
إحساس حياة وبيتولد
منه الحياة .....
ثم وببراعة ومكر ماهرين تدس الشاعرة أول مفاتيح نصها الرائع خفية ودون إثارة جلبة ...
كل المشاعر بينا
محتاجة لنجاة ....
ما الخطب إذن ؟ ...المشاعر تغرق !! ...ليس الفراق وحده هو المعول الذي يقوض جدران المشهد إذن ، وإنما يشاركه التخبط وذهاب العقل في لحظات الفراق، وفي منحى تفسيري آخر كأنها تقول له ..إن في موتك موتي أيضًا، وكلانا يحتاج للبقاء.....ولكن ما قدره الله لا راد له ....
نادى الوجع
من فوق مآذن اللنتظار
لبت قدرها الأوردة
أوراق شجر والليل خريف......
الآن بدأت تفاصيل المشهد في الإتضاح، وتجلى لنا المفتاح الثاني للنص ...هنا وجع وأوردة وطبيب وسرير ومريض وحبيبة أو زوجة حبيبة....
قال الطبيب
م المستحيل
يطرح ربيع بعد الشتا.....
الأمر إذن منتهي وما هى إلا دقائق، فالجملة التقريرية الوحيدة في مجمل النص ، صاغتها الشاعرة بمهارة أنستنا تقريريتها، وفاجأت المتلقي بالمفتاح الثالث للنص " م المستحيل / يطرح ربيع بعد الشتا، فها هى الأوردة يخفت نبضها، وهاهو الوجع يقف متأهبًا للمغادرة بعد طول انتظار، وها هى آخر الاوراق العمرية تسقط من شجرة العمر ، ويؤكد الطبيب أن لا أمل .....
هتروح خلاص ؟! ...
كلمتان وعلامتي استفهام وتعجب...الصيفة استفهامية استنكارية، والصرخة مدوية، وشهقة الصدر سكينٌ يشق قلبًا تفتت، ورغم احتباس الصوت وحشرجة الحروف في الشرايين والأوردة قبل بلوغها الحلق المختنق بالعبرات الدامية، تداعت الحروف من شفتين ابيضتا، ومن عينين زاغت نظراتهما، ليس الإحباط إذن لكنها الفجيعة ، والمصيبة التي يفقد فيها العقل صوابه ، لذا عظّم الله أجر الصابرين
" ولنبلونكم بشئٍ من الخوف والجوع ونقصٍ من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين، الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون " الآية154 سورة البقرة.
هتروح خلاص ؟! ...كيف تتركني وأحلامنا لم تتحقق كلها ؟! ..كيف تتركني وقصائدي لك لم تكتمل حروفها ؟!.. لا تتركني فضلوعي تحترق مخافة الفراق، لا تتركني فما يزال قيَّ بصيص أملٍ في نجاة....ومفيش أمل .....جاءها الهمس من بعيد أو قريب تساوى الإحتمالين، وطرق ملك الموت باب الحياة ، وليس في مقدور أحدنا إذا أستأذنه أن لا يأذن له ، ....تركها الحبيب وذهب للضفة الأخرى بعد أن سقطت آخر أوراق غصنه ، ولم ينس أن يبرر لها الأسباب التي أرغمته على نكوصه لوعده لها بالحياة معًا والموت معًا، قائلًا...
مش كل غصن بدون ورق
معناها مات
...أنا في ذاكرتك وفي أنفاسك وفي حروف قصائدك..أحيا ، وإن كنت فيما مضى الأوراق التي تدفئ غصن حياتك ، فسقوط الأوراق خريفي وما زال للغصن ربيعًا وصيف .
نص بكائي بإمتياز، أجادت فيه الشاعرة العزف على نايها الحزين بأصابع ذهبية، صقلت الحروف، فعاونتها الحروف على إبراز مصداقيتها الشاعرية، وقدرتها الفائقة على الإنغماس في الحالة التخيلية حد الغرق الكامل ، فاختلطت الدموع بالأحرف، وتمازجت التركيبات اللغوية مع المشاعر الوجدانية ....خبط ملاك الموت / على باب الحياة .....نادى الوجع / من فوق مآذن اللنتظار .....كل المشاعر بينا / محتاجة لنجاة ....لسه الحروف مشتاقة تحضن بعضها ...... ويبقى عندي الأقوى والأشد والأقسى والأعنف وقعًا في كياني كمتلقي " وبعيدًا عن كوني ناقد لنص " ....هتروح خلاص ؟!....أبكتني وتبكيني وستبكيني
تحياتي 

............
محمد البنا 
في 8/6/2017

القصيدة...المــــــــــوت ......وأنا
.........................

علِّم بقلبك ع الورق
لملم دقايق عمرنا
عد اللي باقي
من ليالي ف حبنا
وأقف هنا
طب هات ايديك
هنا بين ايديا وضمها
إحساسي بيك
مش بس لحظة وعشتها
احساس حياة وبيتولد
منه الحيااة
كل المشاعر بينا
مشتاقة لنجاة
نادى الوجع من فوق
مآذن لانتظار
لبت قدرها الأوردة
أوراق شجر والليل خريف
قال الطبيب:
م المستحيل
يطرح ربيع بعد الشتا
هتروح خلاص!؟؟
لسة ف دفاتر عشقنا
أحلام كتير
لسّة القصايد
بحرها محتاج مدد
لسّة الحروف
مشتاقة تحضن بعضها
لسّة الرموش غرقانة
ف عبير اللقا
لسّة الضلوع
من قسوة الفرقة
في نار
لسّة النهار
مستني ضيّه المحتمل
ومفيش أمل
خبَّط ملاك الموت
على باب الحياة
يستأذنك
فأذنت له
وخلفت وعدك ليا انا
كت حجتك
مش كل غصن
بدون ورق
معناها مات
.......
منى الغريب

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016