قالَ أحَدُ الأُدباء : كانَ رَجلٌ من أهلِ الأدَبِ قد ذَهَبَ عَقلُهُ بالمَحَبَّةِ
فاستَوقَفتُهُ وقلتُ لَه : ما حالُكَ ، وأينَ النعمة ؟ قالَ : تَغَيَّرَ قلبي
بالحُبِّ ، فَتَغَيَّرَتِ النعمة ، ثمَّ بَكى و أنشَأَ يَقولُ :
أرى الـتَّجَمُّلَ شَيئاً لـستُ أُحـسِنُهُ
و كـيفَ أُخـفي الهَوى والدَمعُ يُعلِنُهُ
أم كـيـفَ صَـبـرُ مُـحِـبٍّ قَـلـبُهُ دَنِــفٌ
الـشَـوقُ يُـنـحِـلُهُ والـهَـجـرُ يُـحـزِنُـهُ
وكيفَ يَنسى الهَوى مَن أنتَ فِتنَتُهُ
وفـتـرةُ الـلَـحظِ من عَـيـنيكَ تَـفـتِنُهُ
قلتُ: أحسَنتَ واللهِ ، فَقالَ : قِفْ قليلاً ، فَواللهِ لَأطرَحَنَّ في
أُذُنَيكَ أدَباً أثقَل من الرَصاصِ ، وأخَفّ على القَلبِ من ريشِ
النَعام ، فَوَقَفتُ ، فَأنشَدَ :
لِـلحُبِّ نـارٌ على قـلبي مُضَرَّمَةٌ
لم تَبلُغِ النارُ مِنها عُشرَ مِعشارِ
الـمَـاءُ يَـنبُعُ منها في مَـحاجِرِنا
يـالـلرِّجالِ لِـمـاءٍ فـاضَ مــن نـارِ
و أنشَدَ ايضاً :
أعـــادَ الــصُـدودَ فـأحـيا الـغَـليلا
وأبــدى الـجَـفاءَ فَـصـبراً جَـميلا
وأحسَبُ نَفسي على ما تَـرى
سَـتلقى مِنَ الَهجَـرِ غَمّاً طويلا
وأحـسَـبُ قـلبي عـلى مـا بَـدا
سَـيَـذهَبُ مـنّـي قَـلـيلاً قَـلـيلا
وقالَ الحَسَنُ بن هانيء : رأيتُ مانيّا الموسوس فأنشَدَني :
شِـعرُ حَـيٍّ أتاكَ من لَفظِ مَيْتٍ
صـارَ بـينَ الـحَياةِ و المَوتِ وَقْفَا
قد بَرَت جِسمَهُ الحَوادِثُ حتّى
كــادَ عـن أعـيُنِ الـبَريَّةِ يَـخفى
لــو تَـأمَّـلتَني لِـتُبصِرَ شَـخصي
لـم تـبيّنْ مِـنَ الـمَحاسِنِ حَرفا
وقالَ جُعَيفُرانُ الموسوس وهو من العقلاء المجانين :
مــا غَــرَّدَ الـديـكُ لـيـلاً فـي دُجُـنَّتِهِ
إلّا حَـثَـثـتُ إلـيـكَ الـسَّـيرَ مَـجـهودا
ولا هَـــدَت كــلُّ عـيـنٍ لَــذَّ راقِـدُهـا
بِـنَـومَةٍ فـي لَـذيذِ الـعَيشِ مَـمهودا
إلّا امتَطيتُ الدُّجى شَوقاً إليكَ ولــو
أصـبَحتُ فــي حَلَقِ الأقيادِ مَصفودا
أسـعى مُـخاطَرَةً بِالنَّفسِ يــا أمَلي
والــلـيـلُ مُــــدَّرِعٌ أثــوابَــهُ الــسُّـودا
فَـلَم تَـرِقّي ولَـم تَـرثي لِــذي دَنَـفٍ
زَوَّدتِـــهِ حُــرُقــاتِ الــقَـلـبِ تَــزويـدا
هَـيهاتَ لا غَـدرَ فـــي جِـنٍّ ولا بَشَرٍ
إلّا يُــخــالُ مُــعَــدّاً فــيــكِ مَــوجـودا
فَقلتُ : يا أيَّتُها الشُعوبيّةُ !!! يا أيَّتُها الحَداثة !!!
هذا أدبُ مجانين العَرب ، فكيفَ أدب العُقَلاء !!!
ثمَّ قلتُ :
زِدني عَذابـاً ... في الغَرامِ مَـطامِعي
لا تـــأخــذَنَّــكَ رَأفَـــــةٌ بِــمَــواجِـعـي
لا تَـحـبِـسَنْ غَــوثَ الـعُـيـونِ فَـإنَّـني
حَـزَنـاً أمــوتُ إذا حَـبَـستَ مَـدامِـعي
فــي شِـقوَتي أجِدُ السَعادَةَ و الرِضا
و نَعيم عيشي فـي جَحيمِ فَواجِعي
إن قـيـلَ مَــجـنـونٌ فَــتِـلـكَ حَـقـيـقَةٌ
طَـرِبَت بِـشَدوِ الـشامِتينَ مَسامِعي
أو قــالَ بــادَ مِـنَ الـصَـبابَةِ حـاسِدي
حَسبي لَقيتُ على الوَفاءِ مَصارِعي
................................
أسامة سليم