جرى لاهثًا بأقصى ما تسمح له رجلاه من سرعة ، تلاحقت أنفاسه وتسارعت دقات قلبه حتى كاد أن يشعر به على وشك الإنفجار ، شعر بوخز شديد وألم مبرح يعتصر رجليه ، وكلما خارت قواه دفعته أصوات مطارديه أن يستمر في الهرب ، إن أمسك به تجار السوق الغاضبون فسيصبون جام غضبهم عليه منه وممن سبقوه في سرقتهم ولن يتركوه إلا بعد القصاص من كل السارقين في صورته ، الزحام في السوق يعيق حركته وحركتهم ، حاول التواري عن أنظارهم واختبأ تحت أحد الطاولات الخشبية المصنوعة من بقايا الخشب لعرض الخضروات ، التقط أنفاسه بصعوبة وهو يشعر بنار تشتعل في صدره وتنغرس كسكين حاد في رئتيه ، نظر ليديه في ضيق وأطبق شفتيه في قوة هو يحاور نفسه (أن نجاني الله ستكون اخر مرة..اخر مرة..اخر مرة. ) لم يستطع تمالك نفسه وهو يسمع الضجيج والسباب من الباعة الغاضبين وهتافاتهم بأن السوق لا ينقصه لصوص ، حاول أن يكتم أنفاسه وهو يرى أرجلهم الراكضة بجانبه ، و لم يلتقط أنفاسه مرة أخرى إلا بعد أن تجاوزوه ، تسللت رائحة العفن لأنفه ، ففوق رأسه تكدست أكوام من الخضر والفاكهة المتراكمة في إهمال وعشوائية معروضة للبيع وقد كتب عليها أسعار لا تتناسب مع حالتها السيئة ، تتجول السيدات بين الطاولات يقلبن في الخضر باستياء ثم ينظرون للأسعار ويرحلن خاليات الوفاض وسط صيحات الباعة ونهرهم لهن ، تتراكم الخضر وتسوء حالتها أكثر وأكثر ومع إصرار الباعة على السعر ، بجانب الطاولة تقف عجوز في توتر. تخشى أن يدفعها أحد التجار الغاضبين فثبتت مكانها منتظرة مرورهم وهدوء السوق ، نظرت لهم و لم تستطع منع ابتسامة الشماتة التي ظهرت بصعوبة بين تجاعيد وجهها ، يدفعها أحد المطاردين بلا مبالاة فيسقط منها كيس نقودها فتسبه وتلعنه وتدعو عليه ، وتنحني بصعوبة لتلتقط كيسها فتلتقي نظراتها بنظرات السارق المختبئ تحت الطاولة ، تمر الثواني ببطء ما بين نظراته المتوسلة و نظراتها الممتنة ، تلتقط الكيس وتمضي في طريقها دون أن تشتري شئ .
..........
إيناس سيد