وقفت مع ابنتها الصغيرة متزاحمة مع الناس أمام المخبز،منتظرة دورها للحصول على بعض الأرغفة ، لم تشعر بالضجر فقد إعتادت هذه الوقفة مذ كانت طفلة صغيرة ، شردت مع ذكرياتها عادت لصوت ضحكاتها مع أبناء وبنات الجيران وهم يتسابقون لنفس المخبز ،حاملين الصواني البلاستيكية والقروش لشراء الخبز ، لم تمنعهم قط حرارة المخبز الشديدة عن التدافع للقاء (عم النوبي) كانوا يتابعونه بإنبهار وهو يتناول اقراص العجين و يقذفها في الهواء في حركات بهلوانية سريعة فتتراص في نظام على الحامل الخشبي المستطيل ، فينظر لهم بإبتسامتة الرائعة مشاكسا إياهم ، ثم يلقي الخبز داخل الفرن في إحتراف و يطلب منهم بلهجته الطريفة المميزة أن يصفقوا للأرغفة حتى تنتفخ ، فيصفق الأطفال وتتعالى صيحاتهم مع إنتفاخ الخبز بفعل الهواء الساخن بداخله فيخرجه ويقذفه على الطاولة وهو يبادلهم الضحكات ، دائما ما كان (عم النوبي) مميزا ، بدءا من لونه المميز ،وأسنانه التي كانت تضئ ابتسامته ببياضها الناصع ، للمنشفة البرتقالية التي كان يضعها دائما على كتفه ، يجفف بها قطرات العرق المنسابة على جبينه ، و أكثر ما أحبوه روحه المرحة وإبتسامته الرائعة ، وها هي تنظر إليه وهو واقفا أمام الفرن الآلي وهو يلف ليقذف أرغفة الخبز أمامه ، فيلتقطها بيدين مرتعشتين ، وينتظر المزيد في رتابة ، وقد أغرقت وجهه قطرات العرق السارية بين تجاعيد وجهه ، لازالت عيناه البنيتان تحملان نفس البريق ، لم تفلح التجاعيد حولها في طمسها ، تفحصت ملامحه وهي تتسأل لماذا غابت إبتسامته ؟ وقد زادته هالة الشعر الأبيض حول وجهه غموضا، جذبتها ابنتها من ملابسها مطالبة بزجاجة الماء البارد التي لا تخرج بدونها في الأيام الحارة ، ناولتها إياها ، فاجأتها صغيرتها حين إختطفت الزجاجة من يدها وجرت عليه ، ناولته زجاجة الماء البارد وتبسمت له وجرت عائدة لتمسك امها ، أمسك العجوز الزجاجة في تعجب ،نظر للصغيرة في امتنان ، وابتسم الرجل الاسمر.
........
إيناس سيد
شكرا يا استاذتي الغالية
ردحذف