مجلة حـــــروف من نــــــــور مجلة حـــــروف من نــــــــور

آخر الأخبار

جاري التحميل ...

هنـــــــاكَ يكتمـــــــلُ الحُلـْـــــــم .... قصة قصيرة / لمحمد شعبان


أهذه التي أَمْهرَها ألوفَ الجنيهاتِ ليتزوجَها ؟.. أتلك التي وهبها قلبَه وإخْلاصَه لتصيرَ المرأةَ الوحيدةَ في حياته ؟.. أهذه التي جَافَى من أجلها أهلَه جميعًا ؟ .. لم يَرُحْ يوما من عمله ـ وهو الذي يقضي في عيادته الساعات الطوال ـ بدون هدية ثمينة تصف مشاعره تجاهها والتي لم تتغير منذ زواجهما ... في آخر زيارة لأمه له في بيته طردها .. لماذا ؟ .. لأنها تحدثت عن تأخر الإنجاب فحسب ؛ الأمر الذي أثار حساسية لديها ، ولِمَا بدا على وجهها من حزن وضيق على الفور اتصل بشركة السياحة ليقضيا أسبوعًا في باريس ، وانطلقا سويًّا تحدوهما الابتسامات والأحاديث الرقيقة يتجولان في كل شوارع المدينة الخلابة وأسواقها المسلية حتى ينسيها موقف والدته معها والتي ما أرادت إلا مصلحته حيث تحدثت كأم لكليهما وتود أن تفرح برؤية أحفادها ولا تدري سببا واضحا لتأخر الإنجاب وهو ولدها الوحيد ولعل خلفة الولد تصلح ما بينه وبين أبيه ، ولم يطاوعها قلبها أن لا تتصل به فاتصلت به وهو في فرنسا تترجاه أن يعرض نفسه وإياها على الأطباء هناك ، ورد عليها بغلظة : هي لا تريد خِلْفَةً الآن لا تتكلمي في هذا الموضوع مرةً أخرى ، ثم أغلق الهاتف في وجهها .. واحتوشها الكثير من التساؤلات : ما الذي غير طبعه هكذا ؟ وما الذي ينويانه ؟ أين أنت يا ابني اللطيف الطيع ؟ أين ابني الذي كان يحميني عطفه ؟ لماذا يشقيني الآن بهذه المعاملة القاسية ؟ ....
وتلك أخته حينما ذهبت لاستقباله بالمطار ومعها زوجها وصغيراها جرى الصغيران إليه وهي بجانبه غير أنه تحدث إلى أخته بقسوة وأحرجها ـ متجاهلا شوق الصغيرين له ولزوجته :ـ لم يكن من داع لحضورك .. خذي صغيريك واذهبي من هنا .. وجود الأطفال يؤذي مشاعرها .. هيا اذهبي الآن . .. ومنذ ذلك الحين ـ منذ شهر ونصف تقريبا ، وأمه وأخته لم ترياه ، وهما اللتان سعيتا في زواجه منها سعيًا حثيثًا لما لعلاقة النادي بين العائلتين والتي لم يمر سوى أسبوع تقريبًا حتى تعرف إليها بالنادي واستلطفها ، وأَسَرَتْهُ بجمالها ، وهي الشابة العشرونية ممشوقة القوام جذابة اللحظ بيضاء البشرة خضراء العينين شقراء الشعر الحريري هادئة الطباع قليلة الاختلاط بالآخرين تقرأ الشعر بثلاث لغات ، العبرية إحداها .. لم يلبث أن بدأ في حضور الندوات الشعرية ويقرأ الشعر ويقتني دواوينه .. يذهب معها ويقضيان سويا أوقاتًا طويلة يتجاذبان أطراف الحديث .. أحس براحة نفسية تجاهها حتى ملكت عليه كل حواسه وأحاسيسه ، ورغم معارضة أبيه لهذه الزيجة المتسرعة متذرِّعًا من وجهة نظره باختلاف الاهتمامات والطباع والعادات والتقاليد وعدم توفرمعلومات كثيرة عن عائلتها .
:ـ لا نعرف شيئًا عنها ـ يا بني ـ فقط هي وأمها واللتان تعيشان على وديعة أبيها القبطان البحري المتوفى منذ شهر وهي التي تربت بعيدا عنه .. عادت فقط لتستلم تلك الوديعة ، ظلت بعيدة عن أبيها وفي حضن أمها .. ثم إن أمها لا تريحني ... دائما ذات نظرات مريبة ، وتتحدث إلى شباب كثر بالنادي وتجالسهم وهم غير معروفين .
:ـ وأنا لا أريد أكثر من هذا ـ يا أبي ـ هي .. هي فقط .. يكفيني هذا .
ولا يلبث الحوار بينهما في هذا الموضوع حتى ينتهي بالصراخ والنقار ، فيقوم هو بينما أبوه يكمل كلامه قائلا: ستكون زيجة فاشلة ولن تستمر ، وابنة عمك ( إيمان ) أولى بك وأنت أولى بها ، وتتدخل أمه مُوقِفَةً أباه محاولة تهدئته لكنه لا يتوقف عن الكلام والانفعال فيستمر قائلا : يترك ابنة الأصل والحسب والنسب والجمال والدين ، والتي نعرف عنها كل شيء ،والتي تناسبنا وتناسب مستوانا الاجتماعي ؟!
وبالفعل لم يحضر أبوه أيًّا من مراسم الخِطـْبَةِ أو الدُّخْلةِ ، بل إنه منذ عام ونصف لم ير أباه سوى مرة واحدة ، وكانت عقب حادث تعرَّضَ له أبوه ، مكث على إثره بالمستشفى ليلة ً واحدة عندما ذهب له وهو في غيبوبة .. أطلَّ عليه من خلف زجاج الغرفة ، وغادر ..
وتزوجها ، ومرت الأيام والشهور والحياة بالنسبة له شهر عسل دائم ، لا يعود للمنزل قبل السادسة بينما هي وأمها ما بين النادي ومصفف الشعر ، ولا تخرج بغير استئذان خروجاتها كلها بعلمه مطمئن لها ولأخلاقها .. حياتهما ملؤها التفاهم والحب .. عاشا في عالم خاص منعزل عن العالم حولهما .. ليتفاجأ ـ عقبَ عودته من مؤتمر لأطباء الأسنان في إنجلترا ، وبعد غَيْبَةِ أسبوعين ـ بشاب ثلاثيني مفتول العضلات قوي البنيان يفتح له الباب ..
:ـ من أنت ؟ أين زوجتي ؟ أنااا أنا صاحب المنزل ، ما الذي يحدث ؟ ، ولم يفق إلا وهو على سرير بإحدى المستشفيات باديًا على وجهه آثارُ ضرب وعلى ملابسه آثار شجار قوي ، وأبوه بجواره يتحدث بالغرفة إلى الشاب مفتول العضلات قوي البنيان .
:ـ هذه التي أمهرها ألوف الجنيهات ، وقدم لها تلك الشَّبْكَة القيمة الثمينة ، وكتب لها الشقة باسمها ، وجعل العصمة في يدها ، وأجبرته على عدم التفكير حتى في الخِلْفَة .. تلك التي وهبها قلبه وإخلاصه .. أين هي الآن تبخَّرَتْ إلى بلدها ومعها آلاف الجنيهات ثمرة جهده وعرقه .. المهر وثمن الشقة والمجوهرات والذهب .. ولكن كله فداء ولدي .. سيُعَوّضُ كل شيء ، المهم أنه بخير ، والحمد لله أن خلصنا من تلك النصَّابة الغدارة .
يقاطع أباه :ـ لا تقل عليها هذا ـ يا أبي ـ فالذي لا تعرفه أنني كنت قد اتفقت معها قبيل سفري على تصفية أعمالي وبيع كل ممتلكاتي بتوكيل عام لها ، ثم السفر لنقيم سويًّا في بلدها .. تلك رغبتنا كِلَيْنا ، ولكنني لم أكن أعلم أنها ستنجز الأمر بهذه السرعة لذا تفاجأتُ .. سألحق بها ـ يا أبي ـ وسأنجب أطفالي هناك .

................
محمد محمود شعبان

التعليقات



إذا أعجبك محتوى مدونتنا نتمنى البقاء على تواصل دائم ، فقط قم بإدخال بريدك الإلكتروني للإشتراك في بريد المدونة السريع ليصلك جديد المدونة أولاً بأول ، كما يمكنك إرسال رساله بالضغط على الزر المجاور ...

إتصل بنا

زوار المدونة

احصاءات المدونة

جميع الحقوق محفوظة

مجلة حـــــروف من نــــــــور

2016