مر بنا في المقال السابق الهدف الأساسي من هذه
التغريدات الا وهو التركيز على المحور الأساسي في الصراع الدائر اليوم في العالم
أجمع على وجه العموم وفي العالم الإسلامي على وجه الخصوص والذي يتمثل بكل وضوح في
محاربة الإسلام وأهله وكسر شوكة المتمسكين به في ظل انتكاسات ثورات الربيع العربي.
لما وضعنا أيدينا على الداء كان لزاما أن نهتدي
الى الدواء والى الشفاء من هذا المرض وقد اتخذنا له عنوانا هذه أولى تغريداته الا
وهو "الاستنفار الإيماني" متخذين هذه الآية قاعدة انطلاق " انفروا خفافا
وثقالا "وان كانت الآية قد نزت في الجهاد الا أننا نستعيرها هنا لبيان عام
الا وهي حالة "الاستنفار الايماني".
ما نعنيه هنا بمصطلح "الاستنفار
الإيماني" هو أن يعرف الانسان الحق ثم يعتقده اعتقادا جازما ثم يسعى في طريقه
وفي كل محاوره واتجاهاته بمعنى أنك نعرف الحق وتلتزمه بكيانك كله لا تحيد عنه
البتة.
وهنا طريق وسط بين المتخاذلين الذين يعرفون الحق
ويصفون الدفاع عنه بأنه "فتنة" وبين المتسارعين الذين يخوضون المعركة
دون الاعداد اللازم لها.
الفريق الأول يحصر الحق في معرفته فقط في القلوب
ويتوهمون أن الباطل أكبر من أن يواجه في ظل هذه الظروف المعقدة ويتعللون بأن الحق
منصور لا محالة.
الفريق الثاني يعتقد أنه لابد من مواجهة الباطل
دون الاعداد"الكافي" له فنجد نتائج عكسية كبيرة ناهيك عن استعجالهم
النصر.
طريقنا في ظلال "الاستنفار الإيماني"
واضح لمن أراد أن يسلكه:
"ننادي بإصلاح شامل لأفراد الجماعة المسلمة
موازي تماما بتمام بخوض معركة اعلاء كلمة الله ونصرة دينه"
قد نختلف مع البعض من كلا الفريقين: الفريق الذي
يتباطأ ويتباطأ بحجة عدم الاستعداد الإيماني والواقعي اللازم والفريق الآخر المستعجل
للنصر.
أدلل على ذلك بما قاله صاحب الظلال عند تفسيره
لسورة التوبة موضحا المراحل التي مر بها الجهاد في الإسلام وسماتها فقال رحمه
الله:
" والسمة الثانية في منهج هذا
الدين. هي الواقعية الحركية. فهو حركة ذات مراحل. كل مرحلة لها وسائل مكافئة لمقتضياتها
وحاجاتها الواقعية. وكل مرحلة تسلم إلى المرحلة التي تليها، فهو لا يقابل الواقع بنظريات
مجردة، كما أنه لا يقابل مراحل هذا الواقع بوسائل متجمدة. والذين يسوقون النصوص القرآنية
للاستشهاد بها على منهج هذا الدين في الجهاد، ولا يراعون هذه السمة فيه، ولا يدركون
طبيعة المراحل التي مر بها هذا المنهج، وعلاقة النصوص المختلفة بكل مرحلة منها. الذين
يصنعون هذا يخلطون خلطاً شديداً، ويلبسون منهج هذا الدين لبساً مضللاً، ويحملون النصوص
ما لا تحتمله من المبادئ والقواعد النهائية. ذلك أنهم يعتبرون كل نص منها كما لو كان
نصاً نهائياً، يمثل القواعد النهائية في هذا الدين. ويقولون -وهم مهزومون روحياً وعقلياً
تحت ضغط الواقع البائس لذراري المسلمين الذين لم يبق لهم من الإسلام إلا العنوان -:
إن الإسلام لا يجاهد إلا للدفاع! ويحسبون أنهم يسدون لهذا الدين جميلا بتخليه عن منهجه،
وهو إزالة الطواغيت جميعا من الأرض جميعا، وتعبيد الناس لله وحده، وإخراجهم من العبودية
للعباد إلى العبودية لرب العباد! لا بقهرهم على اعتناق عقيدته، ولكن بالتخلية بينهم
وبين هذه العقيدة. بعد تحطيم الأنظمة السياسية الحاكمة، أو قهرها حتى تدفع الجزية،
وتعلن استسلامها، والتخلية بين جماهيرها وهذه العقيدة، تعتنقها أو لا تعتنقها بكامل
حريتها"
في مثل هذا التعقيد المشهدي لأحوالنا تأتي هذه
التغريدة:
" انْفِرُواْ خِفَافاً وَثِقَالاً"
يقول صاحب الظلال رحمه الله:
" ذلك مثل على نصرة اللّه لرسوله
ولكلمته ; واللّه قادر على أن يعيده على أيدي قوم آخرين غير الذين يتثاقلون ويتباطؤون.
وهو مثل من الواقع إن كانوا في حاجة بعد قول اللّه إلى دليل!
وفي ظلال هذا المثل الواقع المؤثر يدعوهم إلى النفرة
العامة، لا يعوقهم معوق. ولا يقعد بهم طارئ، إن كانوا يريدون لأنفسهم الخير في هذه
الأرض وفي الدار الاخرة:
(انفروا خفافاً وثقالاً وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم
في سبيل الله. ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
انفروا في كل حال، وجاهدوا بالنفوس والأموال، ولا
تتلمسوا الحجج والمعاذير، ولا تخضعوا للعوائق والتعليلات.
(ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون).
وأدرك المؤمنون المخلصون هذا الخير، فنفروا والعوائق
في طريقهم، والأعذار حاضرة لو أرادوا التمسك بالأعذار. ففتح اللّه عليهم القلوب والأرضين،
وأعز بهم كلمة اللّه، وأعزهم بكلمة اللّه، وحقق على أيديهم ما يعد خارقة في تاريخ الفتوح"
الاستنفار الإيماني ثم الحركي طريق واحد يفصل
بينهما خيط رفيع للتزود بالمؤنة والعدة التنظيمية الايمانية.
حينما تتم مرحلة "الاستنفار الإيماني"
بكامل تفاصيلها يصل المسلم إلى هذه الثمرة المرجوة والتي يحكي عنها الشهيد بإذن
الله في كتابه "معالم في الطريق":
"والله لا يترك المؤمن وحيدا يواجه الضغط، وينوء
به الثقل، ويهده الوهن والحزن، ومن ثم يجيء هذا التوجيه: {ولا تهنوا ولا تحزنوا وأنتم
الأعلون إن كنتم مؤمنين} [آل عمران: 139].
يجيء هذا التوجيه، ليواجه الوهن كما يواجه الحزن،
هما الشعوران المباشران اللذان يساوران النفس في هذا المقام...
يواجههما بالاستعلاء لا بمجرد الصبر والثبات، والاستعلاء
الذي ينظر من عل إلى القوى الطاغية، والقيم السائدة، والتصورات الشائعة، والاعتبارات
والأوضاع والتقاليد والعادات، والجماهير المتجمعة على الضلال."
والله غالب على أمره.
.......
هاني حسبو
هاني حسبو