الصراع بين الحق والباطل صراع أزلي بدأ منذ خلق الله آدم الى أن
يرث الله الأرض ومن عليها. هذا الصراع تتفاوت فيه الجولات فمرة يعلو الباطل وينتشي
ومرة يعلو الحق لكن الثابت اليقيني لدى المؤمنين الصادقين أن الحق لابد سينتصر وأن
المستقبل لهذا الدين.
هذه بارقة أمل ونظرة تفاؤلية بعدما شاهدنا "موقعة
المساجد" وغلقها التي قامت بها سلطات الانقلاب في مصر بقيادة وزير أوقافها،
هذه الحادثة قد تصيب البعض بفقدان الثقة واليأس وهذا مرفوض تماما في عقيدة
الصادقين الذين دائما يثقون بنصر الله.
انظر أيها الصادق الموقن بنصر الله الى قوله تعالى"ولاتيأسوا
من روح الله". إنها قاعدة قرآنية أصيلة في طريق النصر المأمول فو فقد المؤمن
هذه الروح سيصاب بالفشل والانتكاسة وقد لا يقوم مرة أخرى.
انطلاقا من ايماننا بأن القرآن هو قاعدة انطلاقنا جميعا في هذه
الحياة الدنيا نحاول أن نؤصل تأصيلا قرآنيا لقاعة "الأمل "التي نتحدث
عنها.
يصف الدكتور صلاح الخالدي أحوال المسلمين منذ القرن الماضي وصفا
دقيقا جدا تكاد تجزم بأنه يصف الوضع الحالي وخصوصا في مصر فيقول:
" فإن أوضاع المسلمين في هذا الزمان عجيبة غريبة،
وهم يعيشون حياة خاصة شاذة، لا يُقاس عليها، ولا تُقاس على غيرها، ولم يسبق أن
عاشها المسلمون السابقون في مختلف فترات تاريخهم.
ابتعد كثير من المسلمين عن إسلامهم، بنسب متفاوتة، وخرج بعضهم عن
الإسلام خروجاً صريحاً، وعاش بعضهم (ازدواجية) عجيبة، بين الفكر والسلوك، والإيمان
والعمل، تناقضوا فيها بين ما هو في تصوّراتهم وأفكارهم، وبين ما هو في تصرفاتهم
وأعمالهم، وانطبق عليهم في هذا الجانب قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ
آَمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لَا تَفْعَلُونَ، كَبُرَ مَقْتاً عِندَ اللَّهِ أَن
تَقُولُوا مَا لَا تَفْعَلُونَ) [الصف: 2-3].
ونتج عن هذه الحالة المرَضيّة ظهور أجيال جديدة من أبناء المسلمين،
ليس لها من الإسلام إلا الأسماء التي تسمّوا بها، وإلا بعض المشاعر والعواطف
القلبية، وبعض الأفكار العقلية، وبعض الممارسات الإسلامية في المناسبات.
وهذا لا ينفي وجود أفراد مؤمنين صالحين، رجالاً ونساء، في كل قطر
أو مدينة أو بلدة من بلاد المسلمين، ومختلف بلاد العالم. ومن وجود دعوات وحركات
وتنظيمات إسلامية هنا وهناك، تعمل على توعية المسلمين وتبصيرهم، وإعادتهم إلى
دينهم. وأحدثت هذه الحركات (صحوة) إسلامية مباركة، تمثّلت في عدة ظواهر ومظاهر،
علمية وعملية، في بلاد المسلمين. لكن أنصار هذه الصحوة ما زالوا قلائل في
مجتمعاتهم، وما زالوا (غرباء) بين أهليهم، يعيشون غربتهم القاسية بصبر وثبات،
واحتساب وتوكل على الله!"
إنها الصورة الواضحة الجلية التي تكاد تنطبق على الوضع الحالي
تماما.
ثم يتابع الدكتور صلاح وصفه للواقع مع التأكيد على العلاج فيقول
حفظه الله:
"وفتح كثير من المسلمين عيونهم على الخطر اليهودي الصليبي
المدمّر، وازدادوا بصيرة به، وحذراً منه، وانحازوا إلى إسلامهم، وصمّموا على
مواجهة الأعداء، ورفع راية الإسلام، وصبروا على الأذى الذي صبّه الأعداء عليهم،
وجاهدوهم جهاداً مبروراً، متشعّب الميادين والمجالات والجوانب!
و(فَزَع) هؤلاء المؤمنون الثابتون إلى إسلامهم، يأخذون منه المدد
والزاد، والعلم والوعي، والبصيرة والمعرفة، ولجأوا إلى الله، متوكلين عليه،
مجاهدين في سبيله، محتسبين كل ما يصيبهم عنده، طالبين منه التوفيق والسّداد،
والتثبيت والرشاد، والأجر والثواب"
إذن نحن مطالبون بأن نستمد العون من الدستور الإلهي الذي أنزله
الله سبحانه من فوق سبع سماوات لنزداد يقينا بالنصر الذي هو بالفعل فوق الرؤوس لكن
بشرط استيفاء شروطه.
يقرر القرآن هذه الحقيقة فيقول الله تعالى:
" وَلاَ يَزَالُ الَّذِينَ كَفَرُواْ تُصِيبُهُم
بِمَا صَنَعُواْ قَارِعَةٌ أَوْ تَحُلُّ قَرِيباً مِّن دَارِهِمْ حَتَّى يَأْتِيَ
وَعْدُ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ"
ومعنى: (لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ): لا يوقِفُ ميعاده، ولا يلغي
وعده، لأنه لا يعجز عن إنجازه، ولا تقف أية قوة أمامه، لأن الله لا يُعجزه أي شيء
في الأرض ولا في السماء.
ولا يُخلف الوعد إلا عاجز، والله لا يعجزه أي شيء. ولا يتخلى عن
وعده إلا كاذب، والله هو الأصدق حديثاً.
ويقول الله سبحانه أيضا:
" وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ، بِنَصْرِ
اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ، وَعْدَ اللَّهِ لَا
يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ"
إنها البشرى الكبرى التي تقرر أمرين هامين الأول "فرح
المؤمنين" والثانية "نصر الله".
المؤمن يفرح بنصر الله لأن هذا هو الفرح الحقيقي.
وهذا وعد الله سبحانه الذي لا يخلف وعده أبدا.
متى النصر؟ سؤال هام جدا يتبادر الى الذهن لكنه مع أهميته فلا
ينبغي أن يشغل البال بل الذي يجب الاهتمام به هو التصديق بوعد الله وبنصر الله
والعمل على أن تكون من جنود الله الذين يساهمون في هذا النصر.
يقول صلاح الخالدي في تقرير هذه القاعدة:
" فقد أوحى الله إلى أم موسى بالتصرف المناسب،
لإنقاذ موسى الوليد من خطر فرعون، ووعدها أن يرده إليها. قال تعالى:
(وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذَا خِفْتِ عَلَيْهِ
فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَلَا تَخَافِي وَلَا تَحْزَنِي إِنَّا رَادُّوهُ
إِلَيْكِ وَجَاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ) [القصص: 7].
ورد الله الوليد إلى أمه، وفق تدبيره وتقديره الحكيم سبحانه، وكان
ردّه إليها تحقيقاً لوعده النظري لها. فقد قال لها: (إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ)،
ولكنها لم تعرف كيف يرده الله إليها. ومن حِكَم رده إليها أن تقرّ عينها، وأن لا
تحزن، ومن حكمه أيضاً أن تعلم أن وعد الله لها حق. أي: أن ترى تحقّقه العملي
أمامها، بأن يكون ابنها معها."
فكن من الموقنين أن نصر الله قادم حتى ولو كانت الصورة قاتمة سوداء
فلابد للفجر أن ينشق في ظلمات الليل.
بقلم:هاني حسبو