مازلنا نحاول أن نقترب من حديقة الإسلام الزاهرة نقطف منها الثمار اليانعة
ونحاول أن نقرب مفهوم الإسلام الحقيقي الذي أنزله الله عز وجل منذ أن خلق آدم إلى
أن يرث الله الأرض ومن عليها.
موعدنا اليوم مع الشق الثاني من الشهادة الا وهو "أشهد أن محمدا رسول
الله". نحاول أن نفهم معناها الحقيقي ونعمل بمقتضاها كما مرت بنا شهادة الا
إله الا الله.
لكن قبل أن نغوص في أعماق هذا الشطر من الشهادة أنقل لكم كلاما لأحد الذين
ينتسبون إلى دين الله عزوجل وهو يصف مشهدا في أحد الكتب الدراسية فيقول أحمد عبد
المعطي حجازي في مقال له بجريدة الأهرام في التاسع والعشرين من شهر أكتوبر 2014:
"وقبل بضعة أيام أرسل لي المجلس الأعلى للثقافة نسختين من كتابين
جديدين صدرا هذا العام مقررين على تلاميذ الصف الأول
الثانوي....................................."
ثم أكمل قائلا:
"وقد طلب مني الأمين العام للمجلس أن أقرأ الكتابين وأن أبدي ما يعن
لي من ملحوظات عليهما...................."
ثم يخبرنا الكاتب بملاحظاته وما رأه في الكتابين بقوله:
"جاء فيها ما يلي: لقد استطاع الإسلام متمثلا في القرآن والسنة
النبوية أن يوحد الأمة العربية تحت لواء الإسلام وزعيم هو الرسول صلى الله عليه
وسلم ودستور هو القرآن، وهكذا تتردد هتافات الإرهابيين في الكتاب."
انتهى كلام الكاتب والمفكر. رجل ينتسب إلى أمة النبي صلى الله عليه وسلم
ويعترض على وصف النبي بالزعيم ووصف القرآن بالدستور ويصف هذا الكلام ب "هتافات
الإرهابيين".
إلى الله المشتكى وحسبنا الله ونعم الوكيل.
لمثل هذا الضلال ولمثل هذه الأقوال التي قد تودي بصاحبها إلى الهلاك
والعياذ بالله ان لم يتب كانت هذه السلسلة من المقالات لإعادة تشكيل الوعي الذي
أصبح من واجبات الوقت في مثل هذه الأيام.
شهادة أن محمدا رسول الله هي أحد أركان الايمان والإسلام قال صلى الله عليه
وسلم في تعريف الإسلام: (أن تشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله).
ومعنى شهادة أن محمدا رسول الله أي لا متبوع بحقٍ سواه، كما أنه لا معبود بحقٍ
إلا الله، فلا متبوع بحقٍ إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلا شريك لله في العبادة،
ولا شريك للنبي صلى الله عليه وسلم في الاتباع.
وهذا قيد مهم جدا لأن من الناس من يعتبر السنة غير واجبة بل ويعتبرها أخرون
غير ملزمة بالمرة فلا يؤمنون بسنة ولا بحديث النبي صلى الله عليه وسلم.
وشهادة العبد المسلم بأن محمدا رسول الله تستلزم عدة لوازم منها:
أولا: ألا يوضع في مقابله أحد، إذ لا يزنه أحد أصلاً، إذاً لا يوضع في مقابله أي إنسان
كائناً من كان. كما قال الشيخ أبي إسحاق الحويني حفظه الله في شريط له
بعناون"حق النبي على أمته".
قارن أيها القارئ الحبيب بين هذا المقتضى وبين حال بعض المسلمين الذين
يردون أحاديث النبي صلى الله عليه وسلم ويعظمون أقوال ما يعتبرونهم مفكرين أو
كتاب.
ثانيا: من لوازم تعظيمه صلى الله عليه وسلم محبته صلى الله عليه وسلم روى البخاري
من حديث عبد الله بن هشام قال: (كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم فأخذ بيد عمر، فقال
عمر: يا رسول الله! والله لأنت أحب إليَّ من كل شيءٍ إلا من نفسي. فقال له النبي صلى
الله عليه وسلم: لا يا عمر! حتى أكون أحب إليك من نفسك. فقال عمر -: الآن يا رسول الله،
والله لأنت أحب إليَّ من نفسي)
ثالثا: التزام أمره صلى الله عليه وسلم ووجوب طاعته وذلك مصداقا لقوله تعالى:
"وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ
اللَّهُ عَلَيْهِمْ"
وقال تعالى أيضا:
"يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ
وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ."
رابعا: احترامه، وتوقيره، ونصرته: كما قال تعالى: {لِتُؤْمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ
وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ...}. وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا
تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ
عَلِيمٌ}. وقال تعالى: {لا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُم
بَعْضًا...}. وحرمة النبي صلّى الله عليه وسلّم بعد موته، وتوقيره لازم كحال حياته
وذلك عند ذكر حديثه، وسنته، وسماع اسمه وسيرته، وتعلم سنته، والدعوة إليها، ونصرتها.
خامسا: جوب التحاكم إليه، والرضي بحكمه صلّى الله عليه وسلّم قال الله تعالى:
"إِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ
إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً"
سادسا: إنزاله مكانته صلّى الله عليه وسلّم بلا غلو ولا تقصير: فهو عبد لله ورسوله،
وهو أفضل الأنبياء والمرسلين، وهو سيد الأولين والآخرين، وهو صاحب المقام المحمود،
والحوض المورود، ولكنه مع ذلك بشر لا يملك لنفسه ولا لغيره ضراً ولا نفعاً إلا ما شاء
الله كما قال تعالى: {قُل لاَّ أَقُولُ لَكُمْ عِندِي خَزَآئِنُ اللَّهِ وَلا أَعْلَمُ
الْغَيْبَ وَلا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ إِنْ أَتَّبِعُ إِلاَّ مَا يُوحَى إِلَيَّ...}
هذه هي بعض مقتضيات شهادة أن محمدا رسول الله وهي من أصول الايمان بالرسول
صلى الله عليه وسلم والتي ينبني عليها إيمان العبد.
إن في ذلك لذكرى لمن كان له قلب أوألقى السمع وهو شهيد.
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.