عَودة الفَلَّوص
رواية لعبد الجواد
خفاجي...
رحلة السرد
المُبْهم ، عبر الموروث
المعتقدي الشعبي ، في صعيد مصر
بقلم
أيمن عبد السميع حسن- مصر
***
(0)
أما قبل..
((الأدب مرآة صادقة للمجتمع..))
(طه حسين)
(1)
المدخل..
ثمة نصوص تتخلق من رحم الواقع الثقافي، تنبئ عن مفهوم مغاير
للكتابة ، وكأن النص للألم الذي يسبق ولادة الوعي عند المجتمع ..
فالكاتب المصري " عبد الجواد خفاجي " يرنو في كثير من
كتاباته بطريق مباشر وغير مباشر إلي
المجتمع، فهو مهوي البصر والبصيرة ، مثار الرؤية والتأمل، فالمجتمع عنده كائناً
حياً ، ينتفض دائماً عبر رؤياه التي
تتسق مع بيئة واحدة ،
**الثابت
لديَّ ، أنني أكاد أقرّ منذ البداية متعجلاً غير متريثٍ ،أنّ الانطباع الذي خرجت
به حالما أنهيت قراءة رواية ((عودة الفَلَّوص)) للكاتب الجنوبي "عبد الجواد
خفاجي " ، أن هذا النص ينضوي إلي
نصوص كثيرة ظهرت في جنوب مصر ؛ بحثاً ورصداً وتقصياً لقضايا تتعاضد في
الموروث المعتقدي والشعبي معاً ،
فعندما تعمقت في شِعب ودروب الرواية ،
خالجني ، وداهمني ، شعور في طياته كثير من التناقض والارتباك ، فالكاتب قد يكون
من مفضلاته تلك ( القِماشة ) الإبداعية الجنوبية.. ربما..!!
فإذا
تعمقنا في مُجمل إبداع
الروائي "عبد الجواد خفاجي "(1) ، نجده قد حَمل
علي كاهله فكر روائي وقصصي
للواقع المَعِيش ، فهو يكتب بقلم
ثابت ، غير ذي علةٍ ، وعينه علي حياة
أهله وأقرانه ، دون أن ينسلخ من رداء الجنوب القشيب ، الذي يحمل بداخلِه
عَبق التاريخ ، الضارب في بطن
الغيب ، فعراقة قلمه – أيضاً -
تتناول بلاد البراءة الأولي ،
والقلوب النابضة ، بالوداعة والحب والنقاء ،
ومهد الطفولة والبكارة ، ونزوات الشباب الحارقة ، وحنان الوجوه السمراء ،
التي هي مثل التلال الصخرية الراقدة هناك
.. في جنوب القطر المصري..
و
دائماً ما تلهج إبداعات " خفاجي
" – كما تعودناه - تحت الشمس
اللاَّهبة ، وتتلألأ بلونها الأعفر ..
**علي سبيل البورتريه..
كأني أراه ، يرفلُ
في أسمالِه الفضفاضة .. ترفرف فوق رأسه غترة بيضاء ،علي سطور روايته ( عودة
الفَلَّوص ) ، نلمحه كهل أسمر ،
يتحرك في خفة الفراشة ، ينسل في رشاقةٍ
منسحباً إلي أعطاف البلدة ، ووسط بُهمة
الليل ، يتسلل بوازع من داخله ، يتدثر بمعطف
قراءاته ، وثقافته ، وبيئته،
يتهافت قفزاً بين الدروب الثعبانية
، يناوش اللغة الحميمة ، ويتذوق أمومة الأرض ، يستحضر طفولته علي حِجرْ جدته
العجوز ، فيرتشف من الحَكي الجميل ، زنبيلاً من البهاء والصفاء ، له غرامة الفحول
، وصباحة الوجه، وسجاحة العيش ، وأصالة النسب ،
يرتشف أيضاً حليبها الدافئ ، ويتشمم رائحة
الدقيق الخارج تواً من وابور
الطاحين القديم ، و يقيم الأعراسَ علي مشارف البلدة ، ويلعب ( الدمينو )
في مقهي بلدي قبلي الحي ، ويطوف حول مقامات القَصِ والحكي ،
يروم البركة ، ويردد أوراده اليومية من
( دلائل الخيرات)، ويلتحف برداء
العِفة .. يبدأ من نبع النهر الخالد من الجنوب ، وينتهي فيه....
(2)
وعودةٌ
علي لُحمة .. فالأستاذ "عبد الجواد
خفاجي " ، كاتب متفرد في كتاباته ، يمتلك موهبة وحساً قصصياً وروائياً خاصاً به ، ولعلنا نلحظ روح
الموروث الشعبي يسيطر علي خياله الرشيق ،
فاستطاع – بسهولة - أن يصقل هذه الموهبة بقراءاته النقدية ، والتي أتت أكلها ؛
سواء أكان في إبداعه أم في ممارسته للعمل النقدي
في مجال الرواية .. وهذه الرواية – التي نحن بصدد الحديث عنها- هي من ضمن
أعماله التي قدمها "خفاجي " للمكتبة العربية..حيث صدرت رواية (عودة الفلُّوص) عن دار بورصة الكتب عام
2010 م ، فروايته تلك تأخذ الطابع الشعبي ، ولا نقصد هنا
، الشكل الشعبي كسرد السير الشعبية الموروث ، فالأدب الشعبي أدب هادف ليس أدباً
لتزجية أوقات الفراغ ، بل هو أكثر بكثير
من ذلك ، فاستطاع الكاتب من خلال هذا
العمل أن يناول كل لوازم القص الشعبي في بناء فني يحتفظ بنكهة الروح الشعبية (2)...
(3 )
يأتى
"عبد الجواد خفاجى" ، عبر عدة أعمال ؛ ليؤسس مشروعاً أدبياً، محاولة منه
لامتلاك الزمن بأبعاده الثلاث ، فتولد
أركان هذا المشروع من البيئة المحلية ، من
خلال مجموعة من الرويات التي تعمقت فى البيئة المحلية الصعيدية هى : (
بغل المجلى/ أرض الخرابة/ عودة الفلوص) ، وقبل أن نتساءل: هل حقق المشروع الروائى
لــ"عبد الجواد خفاجى " فى صعيد مصر منجزًا روائياً يمكن أن يشار إليه
كجزء من المتن الروائى المصرى أو العربى؟ .. وذلك لا بد أن نقف على الدوافع
والمؤثرات التي كانت وراء توجه "عبدالجوادخفاجي" إلى توظيف تراث البيئة
المحلية. الدوافع الخارجية: حين نتحدث عن ظاهرة توظيف تراث البيئة المحلية عند
الكاتب لابد من أن نأخذ بعين الاعتبار تأثير الرواية الأمريكية اللاتينية التي
اهتمت بالمكان، فصورت بيئات كانت مجهولة، وغاصت في أعماق التاريخ ، حتى وصلت إلى
الأساطير والحضارات القديمة ..
**وفى
رواية (عودة الفلوص) يأتي المزلقان الذي يبدأ عنده التاريخ وينتهي أيضا، فالمزلقان
يؤرخ لحياة هذه المنطقة التي تبدأ من شخصية "العتقي" الفاعلة في تحريك
الأحداث وهو المنطقة التي عندها بدأ تاريخ الفلوص وانتهى، ومنها بدأ تاريخ القرية
بما يحمل من تحولات فاعلة. ولقد تعددت علاقة الشخصية الروائية بالمكان عند "عبد
الجواد خفاجى" ، فهى علاقة نفعية، كما ظهرت وتجلت فى رواية ( بغل المجلى ) المحتوى الفاعل لتقديس
البغل ، والكوبرى هو الحد الفاصل بين عهدين والمحطة فى رواية (عودة الفلوص) مصدر
الرزق من عتالة حقائب المسافرين ، ومقام سيدى أبى العسران لقضاء الحاجات والمصالح
وعودة الغائب. ثمة علاقة حميمية بالمكان؛ فدوار العمدة هو ملاذ الفلوص ،
ومصدرالدفء الإنساني والجمال فى رواية (عودة الفلوص) ،
**نأتي لجماليات
المتن السردى في تلك الرواية ، فالجميل في الأمر إن "عبد الجواد خفاجي"
يعي تماما طبيعة فنه الروائي ويعي تماماً كيفية توجيه الخطاب الروائي بشكل مرحلي
معتمدا على تشابك الفضاء الزماني مع المكاني فى خلق مشروع روائي امتد على مساحة شاسعة
، تبدو وكانها رصد واحد، ترصد حقية معينة كانت الخرافة تسيطر عليها بشكل عام ، ونشكل
السلطة الحقيقية في بناء الشخصية ، ومن ثم جاءت الشخصيات الروائية في هذه الرواية
وسنانة والحياة الاجتماعية لا مركزية لها وإنما تقع تحت سلطة الجهل وتوقف التاريخ
وركود الجغرافيا ..
ولذلك
اعتمد الكاتب في هذه الرواية على استخدام الأسلوب المشهدي في توظيف الثقافة
الشعبية توظيفا ساخرا لحل شفرة اللغز الوجودي الذي يكتنف أبناء هذه البقعة من
الصعيد ويكشف عن زيف الوعي الاجتماعي في استجابة الرواية لأطروحات الحداثة الجديدة
في فن الرواية من خلال البحث عن ما هو إنساني مشبع بالمحلية وعن ما هو فني يحوِّل
اليومي والمألوف إلى نص منفتح يشعر القارئ منذ صفحاته الأولى .. إن الكاتب يعتمد
الأسلوب المشهدي المتماسك لإبراز التراكيب الاجتماعية والنفسية لشرائح مختلفة من
الشخصيات ويعتمد هذا الأسلوب على الجمع بين ما هو شفاهي وبين ما هو فن روائي.
ونسوق في ذلك مثلا يوضح الأسلوبية المشهدية في هذه الرواية في مشاهد أكثر وعياً ،
فقد
أتت رواية "عودة الفلوص" مجيبة عن سؤال وماذا بعد؟ .. لتقد لنا مشروعاً
بشخصيات أكثر وعيا وحياة أكثر انفتاحا على الثقافة حتى نتعرف على القطارات
والمحطات والراديو والجرائد والحزب الاشتراكي والحزب الوطني الديمقراطي ، وشسخصيات
مسيسة بشكل جيد والبرلمان والقضية الفلسطينية، وغير ذلك وتبدو الأنماط الشخصية،
هنا منحوتة نحتا لتناسب طبيعة المرحلة والشك المطلق في وجود مشروع يفضى إلى التقدم
والنهوض بالحياة "فالعتقي " ( من العتاقة ) نحت من اسمه إلى رسمه إلى
ممارساته ليشكل شخصية محورية تلعب دورا مهما في تزييف الواقع، والعمدة عب الجبار
شخصية تكشف دلالة اسمها على القهر السلطوي، و"الفلوص" ( من الفعل
فّلَّص" أي تعرى وكشف عورته) نمط جديد يكشف عن الزيف والخداع الذي ملأ الحياة
وكذلك "الراوي الأعمى" الذي يقدم المشروع السياحي الذي يرى فيه الخلاص
لازمة هذه البئية الصعيدية..
نخلص..في النهاية....
أن هذا النص ( عودة الفلوص ) يقدم كتابة مائزة عن المألوف ،
ومغايرة عما هو سائد ، عبر مساحات تنحاز
إلي لون من الألوان المتداخلة في عمق
الحكي الغامض ، كما تتحول الكتابة -في هذا النص بالذات - عند
" عبد الجواد خفاجي "إلي إبداع
خلاق ،من نوع خاص ،فهو كاتب يعيش الكتابة
في حياته اليومية .. بثقافته الجنوبية الكامنه
بداخله ،ليقول ما يُقال ، ويجسد ما يري..دون أن يصبه كلل أو ملل ، و ليصبح قادرااً علي كشف عوالم
فريدة ، قليلة ،دون أن يجهل مقياس المساحة
المتاحة له ، ليتحرك فيها بحذر..
****
الهوامش
(1)-
عبد الجواد خفاجي
الاسم
: عبد الجواد خفاجي أمين أحمد
اسم
الشهرة : عبد الجواد خفاجي
تاريخ
الميلاد ومحله : ولد بقرية "القارة" إحدي قري مدينة أبوتشت التابعة لمحافظة قنا بجنوب مصر في
14/10/1958م .
المؤهل
الدراسي : ليسانس الآداب والتربية عام 1992م جامعة أسيوط .
المهنة
: مدرس ثانوي - مادة اللغة العربية
بإدارة أبوتشت التعليمية / مدرسة أبوتشت
الثانوية الجديدة بنات
( مصر
- قنا - أبوتشت )
الحالة
الاجتماعية : متزوج وأب لستة أبناء .
العنوان
البريدي : مصر - قنا - أبوتشت - ش تركي عمارة بشري
البريد
الإلكتروني : khfajy58@yahoo.com
تليفون
المنزل : 002966716071
هاتف
جوال : 0124708358
العضويات :
•- رئيس النادي الأدبي بقصر ثقافة أبو تشت .
•- رئيس تحرير مجلة الرواد التي تصدر عن
جمعية رواد قصر ثقافة أبوتشت .
•- عضو النادي الأدبي المركزي لمحافظة قنا .
مجال الكتابة : - القصة القصيرة - الرواية -
الشعر بنوعيه (الفصيح والعامي) - المسرحية - الدراسات الأدبية والنقدية . ومشارك
ببحوث أدبية ودراسات نقدية عديدة في كثير من المؤتمرات الأدبية التي تقيمها وزارة
الثقافة المصرية.
الكتب
التي صدرت :
1-
رواية ( الراقصة والعجوز ) عام 1986 عن دار الرقىّ بيروت - لبنان .
2-
مجموعة قصصية ( تأريخ لسيرة ما ) عام 2000 عن فرع ثقافة قنا .
3-
رواية ( الحذاء ) علي نفقة المؤلف عام 2001 .
4-
رواية " بغل المجلى " عن الهيئة المصرية العامة للكتاب 2007 م
له تحت الطبع :
شمس (
رواية ) .
خارج
البطولة ( مجموعة قصصية ) .
من
كنوز القرآن ( إعجاز قرآني ) خمسة أجزاء .
تفاصيل
ع القد ( مسرحية ) .
استضافة
النص ( دراسات في الشعر العربي المعاصر ) .
نحو
تفريغ الحداثة ( مقالات في الأدب والنقد ) .
الحداثة
النقيض ( نقد أدبي ) .
نحو
تغريب القصيدة العامية ( نقد أدبي ) .
أرض
الخرابة ( رواية ) .
خارج
البطولة ( مجموعة قصصية ) .
الجوائز الأدبية :
1-
المركز الأول / عام 1996م جائزة إحسان عبد القدوس الأدبية في الرواية .
2-
المركز الثاني / عام 1992م عن نادي القصة في مصر في القصة القصيرة .
3-
المركز الأول / عام 1999م عن إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي في الدراسات الأدبية
.
4-
المركز الأول / عام 1999م عن إقليم وسط وجنوب الصعيد الثقافي في القصة القصيرة .
5-
المركز الثاني / عام 1992م عن هيئة قصور الثقافة في القصة القصيرة .
6-
المركز الثالث / عام 1995م عن هيئة قصور الثقافة في المسرحية .
7-
المركز الثالث / عام 1991م عن هيئة قصور الثقافة في الرواية .8- المركز الرابع /
عام 1991م عن هيئة قصور الثقافة في القصة القصيرة .
9-
المركز الرابع / عام 1994م عن جريدة أخبار الأدب في القصة القصيرة .
وهناك
عشرات الجوائز الأخرى عن جهات وهيئات رسمية وغير رسمية في مصر .
ينشر
أعماله في جميع المجلات والدوريات الأدبية المتخصصة المحررة بالعربية في العالم
كله وخاصة مجلات الشعر المصرية والثقافة الجديدة المصرية ومجلة القصة المصرية .
(2)-
يُنظر ، ((تطور التقنيات السردية في
الرواية العربية الحديثة)) ، طباعة دار
التيسير عام 2002 ، ص176.
----------------------------------------------------------------
بقلم
أيمن
عبد السميع حسن حسين
مدير
الشئون المالية بمديرية الصحة بسوهاج
مصر –
سوهاج - أولاد نصير- خلف مدرسة نجع
الشمندي الابتدائي..
البريد
الاليكتروني : Aymen201112@yahoo.com
صفحة
الفيس بوك : https://www.facebook.com/profile.php?id=100002127391896
محمول
01094854585
أرضي0932335130