الشهادتان منهج حياة
نكمل بإذن الله تعالى تجربتنا المقالية حول مفهم
الإسلام الحقيقي الذي أنزله الله سبحانه ومحاولة فهم الإسلام فهما شموليا كاملا
حتى نستطيع أن نطبقه ونتمسك بثوابته في ظل دعاوى كثيرة كل منها يزعم تمسكه
بالإسلام وانه على طريق الإسلام الحق وماعداه باطل وليس من الدين في شيء.
توقف بنا المقال في اللقاءات السابقة حول تحديد
مفهوم الشهادتين "لا إله الا الله محمد رسول الله "وأن معناها لا معبود
بحق الا الله ولا متبوع بحق الا رسول الله صلى الله عليه وسلم.
اليوم نحن نريد أن نتعرف أكثر على الشهادتين
وكيفية جعلها منهجا للحياة بحيث تكون هي الميزان الأوحد الذي تقوم عليه حياة
المسلم.
نحاول أن نقطف من حدائق الشهيد بإذن الله سيد
قطب ما كتبه في هذا الموضوع المهم حيث كتب مقالة بعنوان "لا إله الا الله
منهج حياة" في كتابه "معالم في الطريق" ننقل منها بعض النقاط مع
التعليق اللطيف عليها.
يقول رحمه الله:
" ومن ثم تصبح شهادة أن لا إله
إلا الله، وأن محمدا رسول الله قاعدة لمنهج كامل تقوم عليه حياة الأمة المسلمة بحذافيرها،
فلا تقوم هذه الحياة قبل أن تقوم هذه القاعدة، كما أنها لا تكون إسلامية إذا قامت على
غير هذه القاعدة، أو قامت على قاعدة أخرى معها، أو عدة قواعد أجنبية عنها:
{إن الحكم إلا لله أمر ألا تعبدوا إلا إياه ذلك الدين
القيم} [يوسف: 40]
{ومن يطع الرسول فقد أطاع الله} [النساء: 80]
يؤصل الشهيد رحمه الله تعالى قاعدة مهمة ألا وهي
أن تكون الشهادتان منهجا لحياة الفرد ومن ثم المجتمع أما قوله رحمه الله تعالى
" كما أنها لا تكون إسلامية إذا قامت على غير هذه القاعدة" فلا يقصد بها
تكفير كما يتوهم البعض أوكما يشنع أخرون لكن رحمه الله يقصد أنه ليس على الهدي
الإسلامي ولا الطريقة الإسلامية المنشودة وليس هذا مجالا للدفاع عنه ولا عن ألفاظه
رحمه الله.
ثم يكمل رحمه الله تعالى وضوح القضية وبيان
أهميتها الصوى في حياة الفرد والمجتمع فيقول رحمه الله تعالى:
" فليس عبدا لله من لا يعتقد
بوحدانية الله سبحانه:
{وقال الله لا تتخذوا إلهين اثنين إنما هو إله واحد
فإياي فارهبون وله ما في السموات والأرض وله الدين واصبا أفغير الله تتقون؟}. [النحل: 51-52]
ليس عبدا لله وحده من يتقدم بالشعائر التعبدية لأحد
غير الله -معه أو من دونه -:
{قل إن صلاتي ونسكي ومحياي ومماتي لله رب العالمين
لا شريك له وبذلك أمرت وأنا أول المسلمين} [الأنعام: 162 -163]
ليس عبدا لله وحده من يتلقى الشرائع القانونية من
أحد سوى الله، عن الطريق الذي بلغنا الله به، وهو الرسول صلى الله عليه وسلم:
{أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدين ما لم يأذن به
الله} [الشورى: 21]
{وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا}
[الحشر: 7]
هذا هو المجتمع المسلم. المجتمع الذي تتمثل فيه العبودية
لله وحده في معتقدات أفراده وتصوراتهم، كما تتمثل في شعائرهم وعباداتهم، كما تتمثل
في نظامهم الجماعي وتشريعاتهم. وأيما جانب من هذه الجوانب تخلف عن الوجود فقد تخلف
الإسلام فقد تخلف الإسلام نفسه عن الوجود، لتخلف ركنه الأول، وهو شهادة أن لا إله إلا
الله وأن محمدا رسول الله."
كلمات مضيئة كأنها كتبت بحروف من نور حيث رسم
فيها الشهيد رحمه الله صورة فنية واضحة المعالم للفرد المسلم وما يجب عليه من
واجبات وسلوكيات منبثقة من تلفظه بالشهادتين ومن ثم تمسكه بمقتضياته.
فالمسلم الذي نطق بالشهادتين لا يقوم بالعبادة
الا لله فيفرد الله سبحانه بعبادته وحده.
والمسلم الحق لا يتلقى أوامره ونواهييه الا من
الله ورسوله ويسير في طريق الشرع الحنيف أينما وجد.
فإذا وجد المسلم الذي يتعبد لله ورسوله بمقتضيات
"لا إله الا الله" وجد بعد ذلك المجتمع الفاضل الذي أطلق عليه الشهيد
رحمه الله "المجتمع المسلم".
ثم ينتقل رحمه الله تعالى في رسم الصورة الكاملة
للمجتمع الذي يقوم على أساس العبودية لله فيقول رحمه الله:
" وإذن فإنه قبل التفكير في
إقامة نظام مجتمع إسلامي، وإقامة مجتمع مسلم على أساس هذا النظام. ينبغي أن يتجه الاهتمام
أولا إلى تخليص ضمائر الأفراد من العبودية لغير الله -في أي صورة من صورها التي أسلفنا
-وأن يجتمع الأفراد الذين تخلص ضمائرهم من العبودية لغير الله في جماعة مسلمة. وهذه
الجماعة التي خلصت ضمائر أفرادها من العبودية لغير الله. اعتقادا وعبادة وشريعة. هي
التي ينشأ منها المجتمع المسلم، وينظم إليها من يريد أن يعيش في هذا المجتمع بعقيدته
وعبادته وشريعته التي تتمثل فيها العبودية لله وحده. أو بتعبير آخر تتمثل فيها شهادة
أن لا إله إلا الله، وأن محمدا رسول الله.
وهكذا كانت نشأة الجماعة المسلمة الأولى التي أقامت
المجتمع المسلم الأول. وهكذا تكون نشأة كل جماعة مسلمة، وهكذا يقوم كل مجتمع مسلم.
إن المجتمع المسلم إنما ينشأ من انتقال أفراد ومجموعات
من الناس من العبودية لغير الله -معه ومن دونه -إلى العبودية لله وحده بلا شريك له،
ثم من تقرير هذه المجموعات أنى تقيم نظام حياتها على أساس هذه العبودية. وعندئذ يتم
ميلاد جديد لمجتمع جديد، مشتق من المجتمع الجاهلي القديم، ومواجه له بعقيدة جديدة،
ونظام للحياة جديد، يقوم على أساس هذه العقيدة، وتتمثل فيه قاعدة الإسلام الأولى بشطريه.
شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله. ."
مرة أخرى يؤكد الشهيد على أهمية أن تكون
الشهادتان منهجا للحياة كلها فإذا قام المجتمع على مبدأ العبودية لله أصبح هذا
المجتمع مصبوغا بالصبغة الإسلامية الحقة.
ثم بعدما أصل الشهيد هذا الأصل العظيم وأوضح
أهميته ومعالمه انتقل الى صورة المجتمع المسلم الأول، مجتمع الصحابة وأنه لما قامت
فيه الصبغة التوحيدية لله وحده لا شريك له ومتابعة هدي النبي صلى الله عليه وسلم
واصطبغ أفراده بهذه الصبغة دانت له الدنيا وحظوا بشرف رضا الله عنهم في الآخرة
وكأنما الشهيد يعيد ويكرر أهمية دعوة التوحيد وأنها الأصل لكل خير وكل تقدم
وازدهار.
وأخيرا يعرض علينا الشهيد رحمه الله القضية بكل
محاورها الأصلية والجانبية فيخبرنا أننا لا نتوهم أننا إذا تمسكنا بدعوة التوحيد
وجعلنا كلمة التوحيد هي الأساس في كل شيء اننا سنجد الطريق مفروشا بالورود ,هذا
ليس شأن أصحاب الدعوات الحق في مواجهة دعوة الباطل بل سيظل أصحاب الدعوة الباطلة
يحاربون بكل ما أوتوا من قوة أهل الحق لأن الحق سيقضي حتما على باطلهم ولن تقوم
لهم قائمة بعد ذلك فطبيعي جدا أن تجدهم يبذلون الغالي والنفيس لمحاربة الإسلام
وأهله فيقول رحمه الله تعالى:
" وطبيعي أن المجتمع المسلم
الجديد لا ينشأ، ولا يتقرر وجوده إلا إذا بلغ درجة من القوة يواجه بها ضغط المجتمع
الجاهلي القديم، قوة الاعتقاد والتصور، وقوة الخلق والبناء النفسي، وقوة التنظيم والبناء
الجماعي، وسائر أنواع القوة التي يواجه بها ضغط المجتمع الجاهلي ويتغلب عليه، أو على
الأقل يصمد له!"
فعندما أوضح الشهيد الصورة بأكملها وطبيعة
الابتلاء أرشدنا إلى العلاج والعلاج الوحيد ألا وهو "القوة" القوة
المتمثلة في قوة الاعتقاد والتصور والخلق والبناء النفسي والتنظيم.
رحم الله سيدا فقد دلنا على علاج أمراض خطيرة لم
ينتبه إليه كثير من الناس حتى المتصدرين للحركات الإسلامية الا ما رحم ربنا فإذا
أردت إقامة مشروعك الإسلامي فلابد من قوة تحمي هذا المشروع.
وللحديث بقية ان شاء الله وقدر.