أَيُّ نَزْفٍ بَلْ أَيُّ حُزْنٍ دَهَانِي
زَادَ نَزْعِي وَ مَا أَزَالُ أُعَانِي
تَتَوَالَىٰ أَحْزَانُ قَلْبِي كَسَيْلٍ
لَمْ يَقِفْ سَيْلُهَا عَنِ الْجَرَيَانِ
وَدُمُوعِي إِنِّي أَرَاهَا لَهِيبًا
أَحْرَقَتْنِي وَجَمْرُهَا كَمْ كَوَانِي
يَافِرَاقٌ سَلَبْتَ بَهْجَةَ عُمْرِي
هِىَ كَانَتْ فِي مُهْجَتِي وَكَيَانِي
وَظِلَالًا تُظِلُّ كُلَّ بَنِيهَا
وَابْتِسَامَ الْحَيَاةِ عَبْرَ الزَّمَانِ
كَمْ حَوَتْنَي عِنْدَ الشَّدَائِدِ دَوْمًا
وَأَحَالَتْ مِنْ عَثْرَتِي وَهَوَانِي
عَلَّمَتْنِي كَيْفَ التَّصَبُّرِ لَمَّا
يَعْتَرِينِي شَيئٌ مِنَ النُّقْصَانِ
سَاعَدَتْنِي فَكَمْ لَهَا مِنْ أَيَادٍ
تَحْتَوِينِي بِحُبِّهَا الْمُتَفَانِي
يَافِرَاقٌ كَمْ ذُقْتُ مِنْـكَ كَثِيرًا
فَحَبِيبٌ تِلْوَ الْحَبِيبِ جَفَاني
إِنَّهُ الْمَوْتُ مَا هُنَاكَ فِرَارٌ
كَأْسُهُ مُرٌّ بالْمَرَارِ سَقَانِي
عَادَةُ الْمَوْتِ أَنْ يُمَرِّرَ عَيْشِي
آَخِذٌ مِنِّي فَرْحَتِي وَأَمَانِي
أَيُّهَا الْمَوْتُ جِئْتَ تَهْدِمُ بَيْتِي
أَنْتَ قَاسٍ فَقَدْ خَرَسْتَ لِسَانِي
جِئْتَ تَنْعِي رَفِيقَةَ الدَّرْبِ لَمَّا
دَثَّرُوهَا فِي سُتْرَةِ الْأَكْفَانِ
آَهِ يَاقُبْلَةَ الْوَدَاعِ ذَبِيحٌ
نَزَفَ الدَّمَّ سَاعَةَ الفُقْدَانِ
بَهْجَةُ الدَّارِ تَخْتَفِي مِنْ حَيَاتِي
رَحَلَتْ بَعْدَ نَجْلِهَا فِي ثَوَانِي
هَلْ بُكَائِي فِي كُلِّ صُبْحٍ وَلَيْلٍ
وَدُمُوعِي هَلْ تَسْتَعِيدُ حِسَانِي؟
يَارِفَاقِي لَا تَمْنَعُونِي نَحِيبِي
هَٰذِهِ خُلْوَتِي مَعَ الْأَحْزَانِ
إِنَّمَا الْأَقْدَارُ الَّتِي تَتَأَتَّىٰ
أَمْرُهَا كَائِنٌ مِنَ الرَّحْمَٰنِ
يَاإِلَٰهِى إِنِّي دَعَوْتُكَ صَبْرًا
فَامْنَحِ الصَّبْرَ لِلْحَزِينِ الْعَانِي
فَأَنَا مِنْ بَعْدِ الرَّفِيقَةِ مَيْتٌ
حَائِرُ السَّيْرِ تَائِهٌ عُنْوَانِي
يَاإِلَٰهِى وَجُدْ عَلَيْهَا بِمُكْثٍ
فِي ظِلَالٍ مِنْ تَحْتِ عَرْشِكَ دَانِي
هَبْ لَهَا فِي جِوَارِ قُرْبِكَ عَيْشًا
يُسْعِدُ النَّفْسَ فِي رِحَابِ الْجِنَانِ
وَكِتَابُ الْأَعْمَالِ سَهْلًا وَيُسْرَا
بِيَمِينٍ تَلْقَاهُ مِنْ حَنَّانِ
وَاسْقِهَا مِنْ يَدِ الرَّسُولِ شَرَابًا
وَلْيَكُنْ قُرْبُهَا مِنَ الْعَدْنَانِ
============
الشاعر محمد عبد الله المراغي