أقِفُ بين ظلّي وظلّك.
ما تبَقّى لي ولك..
شجرةٌ حفظت كل تفاصيل السّلالّةِ سوى دمي، وفصيلة عُذرك..
حاضرٌ ينشد الخلاص من ظِلالنا
وماضٍ لم نعد نليقُ به...
وواجب نظنُّه لا يدعونا سوى لترميم صخرة أحلامنا المتصدّعة..
يومُنا المُنكَمِشُ تحت آثار خيالاتنا المذعورة،
حيث ينتصب عنف ورودنا حيا فوق مسك طفولتنا المسفوحة خطأً؛
فلتحيا الغيوم الفسفورية الحانية الحانية!
***
الشّمس في نهاراتنا تشبه طفولتنا..
يترصّدها القنّاص شاكرًا خروجَها لتكون في مرمى موهبته..
فمتى تثور آلامنا المقيَّدة بِمِسك شعورنا؟
وكل الذين أوكَلنا إليهم استقبال الفجر الخجول نيابة عن أحلامنا؛
ناموا...
ليستيقظ الغيم المُزمَعُ عَصفُهُ في كل أعذارنا..
يتراجع الصّيفُ عن عشق سنابلنا،
تنحني معها تأملاتنا فراغًا...
هل صحيحٌ أنّ ثمرة الحب لا تُنضجها الشّمس؟
تلك الحبال التي أرجحناها فوق غصون اللّوز ذات لون؛
بات يحتلها الرّماد..
كم نحتاج إلى عروقنا...
بعد تمرّد طويل على أوقاتنا...
خلف المعابر المغلقة بأغصاننا...
وكنا نراهن على الصّخرة الضّرورية لما تفتقده هاماتنا.
نحتاج لتَعزِيَةٍ حين تَستَيقِظُ فينا النّباهة..
وندرك أننا نِلنا من الشّفافِيَة ما يجعلنا نبصر لون موتنا..
ونَحذَرُ حركة انفضاح أسرارنا..
نصغي للزَّمن وهو يتحول إلى أمثولةٍ..
نصغي بكل امتنانٍ لمن يشرح لنا عذره في قتلنا..
***
أعمارنا ثمارٌ سقطت قبل موسمها
ليست ضحيةً كل الغصون التي أعجبها استسلامها للرّيح!
هل من معنى لتضرّعات السّاقط تحت ظلِّه؛ سوى أنها تعزيته لأنفاسه؟!
لماذا أشعَلتَ مُنحَنَياتِ الدّروب خريفًا.. وأطفأتَها ربيعاً...
إن كنت حقًا تُزمِعُ العودة؟
أيَّتها البروق المُجفِلَة...
ماذا تضمرين في تحالفاتك مع الطّلاسم؟
هل من امتحان لطقس الغياب،...
حين نرقب مجيئَكِ المُتلألئ في مضيق عبورنا؟
كثيرًا من الهواء مَنحناهُ احتضارَنا...
وكنّا نَعرِضُ أنفسنا على الأشجار المتسلِّقة..
فلا تجدُ لنا شبها في مراياها..
فنرميها بأسهم الخرافة ...
ونظل نبحث عن أشباحٍ لنا؛ تصلنا بظلالها..
***
جميع طقوسنا التي انتَحَبنا فيها ...
أو انتَحَبَت نيابةً عنّا...
كانت بنا رغبةٌ مُلِحَّةٌ بالموت نيابَةً عنها...
وهي التي ماتت نيابةً عنّا..
حتى الذين لم يرتعشوا لموتنا..
وكانوا يمدّون قنواتٍ للإعصار المُوَجَّهِ نحو جلودنا؛
عَفونا عن جُنونِهِم؛
والتقمنا الطُّعمَ اللامرئي لضلالاتهم...
وتفاخرنا!
لِوَميضِ الموتِ سحرٌ لا يُقاوَم!
رغباتنا التي لا ملاذ لها سوى طموحِنا المتبجّح
شجرات السّلالة التي اتخذت من تعفُّناتِنا مَنبتًا خصبًا..
انتظاراتنا طلوع الشمس في أنفاق استعاراتنا..
أنظارنا التي تعلَّقت الشّاطئ البعيد؛
ذاك الذي يحتضن عناصر موتنا..
رحلاتنا الدّائمة صوب ما يعِدّون لنا...
عطشنا أمام جداولهم النّاشفة..
محاولاتنا الدؤوبة للانعتاق من الشّروط القُزَحِيَّة ...
في محاضر لم تسجِّل لنا سوى تناقُضاتنا...
ضخَّمت فينا إنكارنا لأعماقنا...
كما ضخّمت فينا قدرتنا على تجاهل آلام تمويتِنا..
ونحن نحرق المراكب في لاوعينا...
ونُبقى البحرَ وراءَنا... وأمامَنا... ومِلْأَنا..
فمن يملك إغفاءةً قسريّة مثلنا؟
***
كيف عشقنا إحساسنا بالخطر؟!
كيف صار حلمُنا بالخلاص شفيعَنا من الغضب؟
كيف أصبح صوتُنا الشّاغِرُ عُمرَ إنسانِنا المحمومِ بانتظاراتِنا المرتَجَلة؟
نُنصِتُ إلى تسارع الزّمن فينا...
ونحلُمُ أن تتشَظّى النّجوم لنلتقط فُتاتنا منها،
من بين أصابع القابضين على صفحات أحلامنا..
كلُّ ميتَةٍ نحسبُها لَنا...
بينما تعبُرُنا نحو أعناقنا المطمئِنَّةِ لتَشابُهِ الميتات في ظِلِّ حياتِنا المَلغومَةِ..
ونحن نستعِدُّ لمنحِ الفجرِ عناوينَنا المُغفَلَة..
ننتظرُ أفقنا الطّالِعَ من نصائِبِ قبورِنا؛ بعد أن توقّفنا عن توقيرها..
ثم نأوي إلى كهفٍ نُعتّقُ فيه أساطيرَنا...
كن بخير أيها الحلمُ...
نحن انتفضنا على أحلامنا..
راقِبنا نعيش تجربةَ التّأرجُحِ بين النّوم واليقظة..
هناك ..
حيث لا أين يقيدّنا..
ولا متى يطارِدًنا...
ولا نحن لهم... ولا لنا...
كن بخيرٍ أيّها الحلم...
لقد تعذَّبنا كثيرًا من صقيع الصّباح، وجحيم المساء ..
تعذّبنا كثيرًا من صراع الرّيح والقناديل..
تعذّبنا كثيرًا ...
ولم نتمكَّن من تحديد العلامات الفارقة بين جهنّم والهاوية!
كن بخيرٍ أيّها الحلم...
تنتظرنا أيامنا الخاوية..
... صالح أحمد (كناعنه) ...